إسرائيل تعرض تأخير الترسيم إلى ما بعد انتخابات الكنيست… وقلق في اليونان | المقاومة: إقرار كامل بالحقوق… وسريعاً
تطورات متسارعة ومتناقضة ترافق انتظار لبنان عودة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، بعدما حمل من بيروت الى تل أبيب، الأسبوع الماضي، الموقف اللبناني الذي وثّقه اجتماع بعبدا بموقف موحّد من الرؤساء الثلاثة، يقوم على الإقرار بحق لبنان في الخط 23، مع كامل حقل قانا، وإعطاء ضمانات للشركات بالتنقيب بعد إنجاز الترسيم، ورفض أي كلام عن أي تنقيب مشترك تتولّاه شركة واحدة.
ومع أن هوكشتين عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، وناقشت الحكومة الإسرائيلية المُصغرة الأمر الأربعاء الماضي، إلا أنه تبيّن أن العدو لم يصل إلى قرار في هذا الشأن، وأن التركيز كان على خطة العدوان على قطاع غزة. فيما يبدو أن الحكومة الإسرائيلية المؤقتة تميل إلى التسويف وتأخير بتّ الملف الى فترة لاحقة، مع إعطاء إشارات متناقضة، من بينها احتمال تأخير بدء الاستخراج من حقل «كاريش»، بالتزامن مع معلومات عن أن انشغال الإسرائيليين بالعدوان على غزة قد يؤخّر مهمة هوكشتين، علماً بأن الأخير حاول خلال زيارته لبيروت التقليل من أهمية تهديدات حزب الله، من زاوية أن «إسرائيل لا يمكنها الخضوع لابتزاز حزب الله لأن ذلك سيفتح الباب أمام ممارسة أطراف أخرى هذا النوع من الابتزاز»، بخلاف السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي قالت لزوار لبنانيين ولمسؤولين في الإدارة الأميركية إنه ينبغي التعامل بجدية مع تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وسيط عربي
وعلمت «الأخبار» أن رسائل أميركية وصلت الى الجهات اللبنانية المعنية بالملف، ليس عبر القناة القطرية هذه المرة، بل عبر الكويت التي نقل مسؤول فيها أن الولايات المتحدة حصلت من إسرائيل على ضمانات بأنها ستعطي لبنان ما يريده في مسألة الترسيم، لكنها تميل إلى تأجيل الأمر الى ما بعد انتخابات الكنيست في إسرائيل. وبدا ناقل الرسالة مهتماً بمعرفة موقف المقاومة من هذا الطرح أكثر من أي أمر آخر.
وأفادت المعلومات بأن الوسيط الكويتي سمع كلاماً واضحاً بأن المقاومة غير معنية بالانتخابات في إسرائيل، وهي أساساً لا تميّز بين حكومة وأخرى وبين حزب حاكم وآخر، بل تعتبر الجميع مسؤولين عن كيان عنصري يحترف الحروب وسرقة موارد العرب وثرواتهم وحقوقهم. كما أن المقاومة تعمل وفق أجندتها وليس وفق الأجندة الإسرائيلية أو الأميركية، وهي غير معنية من قريب أو بعيد بالتفاوض القائم المتروك للدولة اللبنانية، لكنها معنية بحصول لبنان على كامل حقوقه من دون زيادة أو نقصان. كما أنها معنية أيضاً بأن يفهم الأميركيون قبل الإسرائيليين أن حقوق لبنان تعني سيادة كاملة على المناطق الاقتصادية الخاصة به، وحرية العمل فيها وفق ما يراه مناسباً، وبالتالي فإن رفع الفيتو الأميركي عن عمل الشركات العالمية في التنقيب والاستخراج في الجانب اللبناني مطلب أساسي.
وبحسب المعلومات، فقد أُبلغ الوسيط (لم يعرف ما إذا كان هناك لقاء مباشر بينه وبين المقاومة أو عبر وسيط) أن على العدو أن يتذكّر بأن المقاومة أعلنت أنها لن تنتظر طويلاً وأن المهلة الزمنية غير مفتوحة قبل أن توجّه ضربات مباشرة الى منصات العدو.
ورغم أن الأميركيين سبق أن أشاروا الى ضرورة إنجاز الملف من دون ربطه بالانتخابات الإسرائيلية، انتشرت تحليلات بأن حكومة يائير لابيد ستجد نفسها أقوى في حال خروجها من معركة غزة قوية، ما يمكّنها الذهاب نحو اتفاق يتضمّن «تنازلات» في ملف ترسيم الحدود البحرية.
شياطين التفاهمات
وسط هذه التطورات، قالت مصادر رفيعة المستوى إن «لبنان ينتظِر الرد الإسرائيلي المكتوب»، وإن «اجتماع بعبدا تولّدت عنه مقاربة جديدة لملف الترسيم، بيّنت أن العدو الإسرائيلي يريد أن ينُجز حلاً في المضمون، لكنه يبحث في الشكل عن مخارج له»، علماً بأن «كل ما حصل منذ الزيارة لم يصل إلى مرتبة الإجراءات العملية»، معتبرة أننا في حالة من «اللاسلبية واللاإيجابية في آن».
ولفتت المصادر إلى أنه في حال عودة هوكشتين حاملاً الجواب المكتوب «سيدعى الوفدان اللبناني والإسرائيلي إلى الناقورة مجدداً لتوقيع النصوص برعاية الأمم المتحدة».
وقالت مصادر سياسية إن «التفاهمات المفترضة حول ملف الترسيم لن تكون رهن توافق عام فقط»، لأن «ما طرحه الوسيط الأميركي كان على أساس أن يتولى هو مواصلة المفاوضات وصياغة التفاهم، وأن يصار الى عقد اجتماع واحد أو اجتماعين في الناقورة لأجل الإقرار». لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري قال لزواره إن «العناوين العامة جرى النقاش حولها، وهو (هوكشتين) سمع منا وذهب الى الإسرائيليين ليعود بجواب، ونحن ننتظر. وفي حال حصول تقدم، سيحال الأمر الى مفاوضات غير مباشرة في الناقورة».
وبحسب المصادر، فإن «ما يهدف إليه الوسيط الأميركي ولو برعاية الأمم المتحدة هو توقيع اتفاق أو تفاهم بين لبنان والعدو برعاية دولية يشتمل على كل نقاط الخلاف». وبالتالي، يعتقد مطّلعون في بيروت أن مثل هذا الأمر «لا يقف عند حدود تفاهم عام، بل هو مرتبط بتفاهم مفصل». ما يعني أنه سيكون هناك جهد حثيث، له بعده القانوني والأمني والتقني، وهذا يتطلب فريقاً متخصصاً، ما يعيد الحديث عن تشكيل الوفد اللبناني الى جولات التفاوض غير المباشر في الناقورة.
ورأت المصادر نفسها أن كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد عن «أننا نريد أن نرى بأعيننا الاتفاق لا أن نسمعه مجرد أخبار»، يتضمن إشارة واضحة الى أن «المقاومة ملتزمة بموقفها منع العدو من أي عملية استخراج قبل الوصول الى تفاهم يحفظ كامل حقوق لبنان. وهو ما يعني ضمناً أن المقاومة التي تنسّق مع الرؤساء الثلاثة وتتواصل مع جهات دولية، لن تكون بعيدة عن تفاصيل الاتفاق، من دون أن تكون شريكة لا في التفاوض ولا في الصياغة».
اليونان تتراجع وتقرّ بملكية سفينة الاستخراج وتخشى على حياة العاملين على متنها
وكان لافتاً ما تمّت الإشارة إليه من أن لبنان لم يحصل بعد على إقرار إسرائيلي كامل بحقه في كل ما هو شمال الخط 23، بالإضافة الى بقية حقل قانا. إذ لفت مصدر مطّلع الى أن «نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب كان قد تهرّب من سؤال الصحافيين حول هذه النقطة بعد اجتماع بعبدا الأخير،. ليتبيّن أن الأميركيين يشيرون الى أن إسرائيل قد تقبل بأن يُصار الى التمييز بين الملكية والسيادة القانونية. بمعنى أن تحسب كامل حصة حقل قانا للبنان، على أن تحتفظ هي بحقها في جزء من الحقل عند الترسيم، وهو أمر يرفضه لبنان بصورة قاطعة».
ورغم انشغال قيادة العدو بالعدوان على قطاع غزة، إلا أن الدبلوماسية الأميركية تتحدث كما الجهات الأوروبية (التي يقول دبلوماسيوها بشكل صريح إن الملف كله في عهدة الأميركيين) عن استمرار المساعي والاتصالات لضمان حصول الوسيط الأميركي على موقف إسرائيلي يعود به الى بيروت لضمان الأجواء الإيجابية، وخصوصاً أن هوكشتين لم يتمكن من الحصول على أي وعد من أي جهة لبنانية بأن المقاومة ستقف مكتوفة الأيدي أمام المماطلة.
قلق يوناني
إلى ذلك، طرأ تطور تمثّل في تبدّل الموقف اليوناني من مسألة ملكية سفينة الاستخراج «إنيرجيان». وقد طلبت سفيرة اليونان في لبنان كاثرين فونتولاكي موعداً للاجتماع اليوم مع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب لمناقشة ملف ترسيم الحدود والسفينة.
وكان الوسيط الأميركي قد استغرب نفي اليونان علاقتها بالسفينة، مؤكداً أن اليونانيين يملكون الحصة الأكبر من الشركة وأن مديرها العام يوناني. وفي وقت لاحق من الأسبوع الماضي، سارع اليونانيون الى تبديل روايتهم الأولى، بعدما أبلغوا لبنان، بعد تهديدات الأمين العام لحزب الله، عبر رسالة رسمية أن اليونان تملك حصة تأسيسية في الشركة. قبل أن تعود أثينا، في الأيام القليلة الماضية، إلى إبلاغ لبنان رسمياً أن يونانيين يملكون أسهماً كبيرة في الشركة، وأن المدير التنفيذي يوناني الجنسية وأن معظم البحارة العاملين على السفينة يونانيون. ويعكس هذا التطور، بحسب مصدر معني، القلق اليوناني المتعاظم من احتمال ضرب السفينة. وبحسب معلومات، سمع اليونانيون الذين تواصلوا مع مسؤولين في حزب الله كلاماً واضحاً بضرورة سحب السفينة، وأن أثينا وأصحاب السفينة يتحمّلون المسؤولية عن أي ضرر مادي أو بشري يصيبها.
المصدر : الأخبار