درّبوها بـ20 مليون دولار، لكنّ نهايتها كانت مأساوية.. تجربة المخابرات الأمريكية لتجنيد “قطة”
خلال فترة الحرب الباردة، لم تدخر المخابرات الأمريكية أي جهد، لجمع المعلومات عن الاتحاد السوفييتي، وجربت جميع طرق التجسس؛ مثل أجهزة التنصت والمراقبة، أو تجنيد العملاء والجواسيس، وحدث ذات مرة أن مزجت بين الاثنين ودمجت أجهزة التنصت والمراقبة داخل جسم الجاسوس.
وعن طريق عمليات جراحية معقدة، زرعت في أذنه ميكروفوناً لتسجيل الصوت، ووضعت جهاز الإرسال أسفل جمجمته، أما الهوائي لإرسال الإشارات فزرعته على طول عموده الفقري وذيله!، نعم ذيله، فالجاسوس هذه المرة لم يكن سوى قط عادي.
تدريب القط على التجسس.. العميل المثالي الذي لن يشك به أحد
لا يبدو أن أحداً يتذكر من اقترح بالضبط فكرة “القط الجاسوس”، ولكن بمجرد الموافقة عليها، أصبح مشروعاً مشتركاً بين مكتب الخدمات الفنية التابع لوكالة المخابرات المركزية ومكتب البحث والتطوير.
اعتقدت المخابرات الأمريكية أن السوفييت لن يشكوا أبداً في كون القط جاسوساً أمريكياً؛ لذلك يمكن للقط المزود بأجهزة تسجيل أو إرسال صوتي، الاقتراب من الأهداف دون عوائق والتنصت عليهم.
قال “فيكتور ماركيتي”، المساعد الخاص السابق لمدير الوكالة ، لصحيفة The Telegraph إن المشروع كان فاشلاً، وشنيعاً في ذلك الوقت، قال ماركيتي: “لقد شقوا القطة، ووضعوا البطاريات والأسلاك داخلها، لقد ارتكبوا بشاعة”.
شهور من التدريب وتحضير أجهزة التجسس الدقيقة
كان على الفريق القائم على المشروع أن يقوم أولاً بتدريب القطة على اتباع الأوامر، وهو أمر صعب للغاية؛ حيث إن القطة كانت تشعر بالملل بسرعة ولا تطيع الأوامر بسهولة كما أنها كانت تترك مهمتها أثناء التدريب إما للنوم أو لتناول الطعام متى ما شعرت بالحاجة لذلك.
بعد شهور من التدريب المضني واجه عملاء المخابرات الامريكية مشكلة ثانية، وهي طريقة إخفاء أجهزة التجسس حتى لا يتم اكتشافها، فكان الحل هو زرعها داخل جسم القط الجاسوس بعملية جراحية، وكانت هذه مشكلة جديدة.
فأجهزة التجسس في ذلك الوقت، لم تكن كما هي في وقتنا الحالي صغيرة الحجم أو تستخدم رقاقات متناهية الصغر.
كان على وكالة المخابرات الأمريكية اكتشاف طريقة تزويد القطة، بميكروفون وهوائي وجهاز إرسال وبطارية تزود تلك الأجهزة بالطاقة، وكان يجب ألا تؤثر تلك الأجهزة داخل جسم القطة، على أي من حركاتها الطبيعية، خشية أن تلفت القطة الجاسوس الانتباه إليها.
ويجب ألا تسبب أجهزة التجسس تلك أي تهيج، يدفع القطة لمحاولة إخراج الجهاز عن طريق فركه أو خدشه أو لعقه، ستحتاج المعدات أيضاً إلى تحمل درجة الحرارة الداخلية للقطة والرطوبة وغيرها.
ساعة الحقيقة والتجربة العملية للقط الجاسوس
في النهاية قامت وكالة المخابرات الأمريكية، ببناء جهاز إرسال يبلغ طوله 2 سم وضعته تحت الجلد وأسفل جمجمة القط، وكان العثور على مكان للميكروفون يستطيع أن يلتقط الصوت بشكل واضح أمراً صعباً في البداية.
ولكن وقع الاختيار على قناة الأذن ليوضع فيها الميكروفون، كان الهوائي مصنوعاً من سلك ناعم على العمود الفقري وصولاً إلى الذيل، أكثر ما سبب المشاكل كانت هي البطاريات؛ نظراً لأن حجم القط جعله يقتصر على استخدام أصغر البطاريات فقط وقيّد مقدار الوقت الذي يمكن للقط أن يسجله.
بعد 5 سنوات من التدريب والتحضير وصناعة الأجهزة وتجربتها وزراعتها داخل القطة، والتأكد من أنها تعمل بشكل جيد، وصلت تكلفة العملية برمتها إلى حوالي 20 مليون دولار، لكن الأسوأ لم يأت بعد.
بعد كل تلك السنوات من التدريب داخل المختبر والملايين التي صرفت على الخطة وتطوير الأجهزة، حان وقت تجربتها في الميدان.
فانطلق عملاء المخابرات الأمريكية إلى حديقة عامة في شاحنة صغيرة، فتحوا الباب وأعطوا القط الجاسوس مهمته الأولى، التسلل إلى رجلين يجلسان على مقعد قريب والتنصت على محادثتهما.
قال ماركيتي: “لقد أخرجوها من الشاحنة، ومباشرة جاءت سيارة أجرة ودهستها، وها هم جالسون في الشاحنة ينظرون إلى 5 سنوات من الجهد و20 مليوناً من التكاليف ميتة!”
لم تفقد “قطة فرانكنشتاين” المسكينة آخر تسعة أرواح لها فحسب، بل قُتل المشروع كله، وفي وثائق وكالة المخابرات الأمريكية التي رُفعت عنها السرية، ورغم فشل المهمة جاء في التقرير النهائي: “إنه إنجاز علمي رائع، لمعرفة أنه يمكن بالفعل تدريب القطط لمهام مماثلة”، وأشادوا بعلماء وكالة المخابرات لعملهم “الرائد”. لكن في النهاية خلصت وكالة المخابرات الأمريكية إلى أنه بالنظر إلى “العوامل البيئية والأمنية في استخدام هذه التقنية في بيئة خارجية لن يكون ذلك عملياً”.
– عريبي بوست