أستاذ فيزياء انتقل من التعليم الثانوي إلى بيع الخردة: “الدولة لن تؤمّن لكم حاجاتكم ولا حتى كرامتكم”


تحت عنوان “من التعليم الثانوي إلى بيع الخردة: خيار المعلّم أم قهره؟” كتب داني الأمين في صحيفة الاخبار :

منذ بدء الأزمة المالية والاقتصادية، لم يلتفت أحد من المعنيين إلى الخيارات الصعبة التي لجأ إليها المعلمون في القطاع الرسمي لسدّ حاجات أطفالهم، والتي قد تساهم في القضاء على التعليم الرسمي، إذ يفترض أن لا يلجأ المدرّس أو الأستاذ الثانوي إلى أيّ عمل “قد يحطّ من كرامة الوظيفة”، كما يشير قانون الموظفين. فكيف سيكون الحال، مثلاً، إذا وجد الأستاذ نفسه يفاوض أحد تلامذته على الأسعار عند عرض بضائعه للبيع، وكيف سيكون موقفه عندما يتصل به أحد زبائنه طالباً منه إيصال الطعام إلى منزله ( ديليفري)، أو عندما يتصل به والد تلميذه ليحاسبه على خطأ أو إهمال بعد تركيبه لألواح الطاقة الشمسية؟

هذه المواقف يرويها أحد أساتذة الثانوي، مؤكداً أن تدهور قيمة رواتب المعلّمين جعل العشرات منهم يستغنون عن “الهيبة” المفترضة لمهنتهم في مقابل تأمين لقمة العيش لعائلاتهم. يعتذر الأستاذ عن ذكر اسم زميل له فاجأه بخياره الجديد عندما بدأ يعمل في بيع القهوة والشاي في كشك صغير على الشارع العام. “كان خبراً سيئاً أصابني وزملائي في الصميم، لكنه في الحقيقة لم يكن مخيّراً، هذا العمل الوحيد ربما الذي لا يحتاج إلى رأسمال كبير”.

خيار آخر
عندما قرّر أستاذ الفيزياء في ثانويتي “حسين علي ناصر” و”حسين مكتبي” الرسميتين، بشير جمال الدين، العمل في بيع الخردة لم يكن يفكر إلا في عدم سقوطه أمام أطفاله الأربعة. “حاولت الصمود في بداية الأزمة فغرقت في الديون، وعلمت أن المعاناة الأكبر هي الحاجة وعدم القدرة على سدّ حاجات أطفالي بعد 14 سنة لم ألجأ خلالها إلى أي خيار آخر، حتى إنّني لم أفكر في التدريس الخصوصي كي أقوم بواجبي التعليمي على أكمل وجه”.
إهمال الدولة جعله يفكر في البدائل المتاحة “قرّرت ترك كل شيء، والبدء بعمل أستطيع برأسمال بسيط القيام به، ولجأت الى الخيار الأصعب على موقعي المهني والأقرب إلى حقيقة ما وصلنا إليه، هو بيع الخردة”. استفاد بشير من صفحته على الفيسبوك ورقم هاتفه على الواتسآب، وبدأ بشراء الخردة من البلاستيك والنايلون والكرتون والحديد وخلافه، “حتى إنني كنت أشتري الخردة من عدد من طلابي ثم أبيعها إلى تجار الجملة، كما ساهم بعض زملائي المعلمين في البداية بتأمين شراء بعض الخردة”.

أعيدوا راتبي
ولكي ينجح في عمله الجديد، توقّف أستاذ الفيزياء عن الذهاب إلى مركز عمله، “حيث الدوام المجاني”. حتى إن التاجر الذي يتعامل معه طلب منه ترك دوامه متعهداً بإعطائه كلّ ما يريد. يقول: “منذ سنة وشهرين توقفت عن الذهاب إلى العمل، ولم أستجب لأي تنبيه من مدير أو أيّ مرجع آخر. كان جوابي الوحيد هو أعيدوا لي راتبي الذي كان يعادل 2000 دولار، بموجب عقدي الوظيفي، كي ألتزم بواجبي الوظيفي”، مشيراً إلى أن “عقوبة المدير العام كانت بحسم يومين من راتبي الشهري، وأنا أطالبهم بحسم كامل راتبي، الذي لا يكفي لتأمين حاجة واحدة من حاجات عائلتي”.

عمل بشير الجديد أتاح له تأمين كلّ حاجات عائلته، لا بل “فاض عمّا كان سيؤمّنه راتبي طيلة الـ35 سنة المتبقية من عمري الوظيفي”. يتحدث بشير بصراحة تامة مؤكداً أن ما استطاع ادّخاره حتى الآن، خلال 14 شهراً من العمل المتواصل في شراء الخردة وبيعها، يقارب الـ80 ألف دولار. وينصح جميع زملائه، بالتوقف عن التدريس في أسرع وقت ممكن، والبدء بأيّ عمل آخر، مهما كان نوعه ومكانته في المجتمع، “لأن الدولة لن ترحمكم ولن تؤمّن لكم حاجاتكم ولا حتى كرامتكم، عليكم أن تستغلوا ما تبقّى من أعماركم لإطعام أطفالكم، أما طلابكم فهم قادرون على تأمين البديل عنكم”.

تجربة بشير تشبه تجارب كثيرة مستجدّة بين المعلمين. يشير أحد نُظار الثانويات إلى أنه “اضطر إلى الاستجابة لطلبات العديد من تلاميذه المقتدرين للعمل لديهم في تركيب ألواح الطاقة الشمسية مقابل بدل رمزي”. ذاكراً أن “كل هذه الأعمال حتماً سوف تنعكس سلباً على المستوى التعليمي، وربما لن نجد في العام المقبل بين المعلمين من هو قادر على الحضور والالتزام بأوقات التدريس، لأن غالبيتهم ستكون قد وجدت عملاً آخر ولو اقتصر على بيع الخردة”.

المصدر: الأخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى