برّي يُحرج الجميع وجبران يبتزّ الحزب
تُشكل جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة اليوم “ضربة معلّم” من رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي. فقد ضربَ رئيس البرلمان عصافير عدة بحجر “دعوة النّوّاب إلى انتخابِ رئيسٍ للجمهوريّة” ظُهرَ اليوم الخميس، فصارَ الجميع بلا استثناء في “خانة اليك”.
مارَسَ برّي واجِباته الدستورية، فكانت دعوة من دون سابِق إنذار اربكت الكتل النّيابيّة، فقرر أكثرها المُشاركة في الجلسة.
يقرأ مُقرّبون من رئيس المجلس دّعوته بأنّها ردٌّ على كلّ الذين انتقدوا خلال الأيّام الأخيرة عدم توجيهه الدّعوة إلى النّوّاب لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. فالبطريرك الماروني بشارة الرّاعي قد قال في عظة الأحد: “بأيّ راحة ضمير، ونحن في نهاية الشهر الأوّل من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، والمجلس النيابي لم يُدعَ بعد إلى أيّ جلسة لانتخاب رئيس جديد … صحيح أنّ التوافق الداخلي على رئيس فكرة حميدة، لكنّ الأولويّة تبقى للآليّة الديمقراطية واحترام المواعيد”.
إضافة إلى الرّدّ غير المُباشر على الانتقادات، كان رئيس المجلس يقطع الطّريق أمام أيّ انتقادٍ يُوجّه إليه في حال تجنّبَ دعوة الكتل النيابيّة قبل 21 تشرين الأوّل، وهو الموعد الذي يصيرُ فيه المجلسُ مُلتئماً لانتخاب رئيس الجمهوريّة بشكلٍ تلقائيّ ولو لم يدعُ رئيس المجلس إلى جلسة حسب المادة 73 من الدستور.
هزّ العصا في وجه باسيل
ما فعله برّي أيضاً هو هزّ “عصا الرّئاسة” في وجه لائحة شروط رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل لتشكيل الحكومة، عبر القول بطريقة غير مُباشرة إنّ تأخير تشكيل الحكومة سيكون في مقابل الضّغط في الملفّ الرّئاسيّ لنسفِ شروط باسيل.
يقول مُقرّبون من رئيس مجلس النّوّاب لـ”أساس” إنّ باسيل يُمارس ابتزازاً حكوميّاً في وجه حزب الله، الذي يسعى جاهداً إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت، بينما يُريدُ باسيل أن يضمن جميع تعيينات الفئة الأولى بما فيها حاكميّة مصرف لبنان وقيادة الجيش والأجهزة الأمنيّة وحتّى عُمداء الكلّيّات في الجامعة اللبنانيّة، قبل مجيء رئيس جديد سيكون مُجرّداً من كلّ شيء.
يُضاف إلى ذلك ما كشفته مصادر نيابيّة مُقرّبة من الرئيس نجيب ميقاتي لـ”أساس”،إذ تُلخّص العُقد الباسيليّة أمام تشيكل الحكومة بالنّقطتيْن الآتيتيْن:
– عادَ باسيل ليُصرّ على توسيع الحكومة لتضمّ 6 وزراء دولة، بعد أن كان تراجع عن هذا المطلب قبل أيّام قليلة.
– يطلب رئيس التيار الوطنيّ الحرّ استبدال جميع وزراء التّيّار بـ”صقور العونيين”.
يلاقي هذان المطلبان رفضاً قاطعاً من ميقاتي، الذي لا يريد أن يفتح الباب أمام تغيير صورة الحكومة بشكل كامل، لكنّه لن يرفض إجراء تعديلات “بسيطة” تتعلّق باستبدال 3 أو 4 وزراء.
كذلك يُطالب “تكتّل الاعتدال الوطني” الذي يضمّ النوّاب: وليد البعريني، محمّد سليمان، سجيع عطيّة، أحمد رستم، أحمد الخير وعبد العزيز الصّمد، بوزير سنّيّ. ولم يُلاقِ هذا الطّرح رفضاً من ميقاتي، الذي يحاول تبادل المقعد مع باسيل، عبر تسمية التكتّل لوزير اقتصادٍ جديد بدلاً من أمين سلام، في مُقابل أنّ يُمنَح التيّار العونيّ مقعداً مسيحياً.
يُضافُ إلى ذلكَ ، فإن لباسيل مطلب آخر مفاده استبدال نائب رئيس الحكومة سعادة الشّامي، إذ يعتبر رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ أنّه فقدَ ثلثه المُعطّل بعدما صارَ الوزير أمين سلام من حصّة حزبِ الله، ويريد أن “يعوّض خسارة”” الأخير بمقعدٍ مسيحيّ. ويعتبر أنّ الشّامي المُقرّب من الحزب السّوريّ القوميّ الاجتماعيّ سيكون منحازاً إلى الثّنائيّ الشّيعيّ، وعليه يريد تعيين شخصيّة أخرى. لم يكن ميقاتي ممانعاً لاستبدال الشامي، لكن رحلته إلى نيويورك كشفت له مدى تعمّق نائب رئيس الوزراء في ملف صندوق النقد الدولي، فتراجع عن استبداله.
يقول مُقرّبون من رئيس مجلس النّوّاب لـ”أساس” إنّ باسيل يُمارس ابتزازاً حكوميّاً في وجه حزب الله، الذي يسعى جاهداً إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت
تُشير المصادر عينها إلى أنّ مَن تابع مُقابلة جبران باسيل عبر موقع “النّهار” التي أكثرَ فيها “الغمزَ” من قناة حزبِ الله عبر حديثه عن “تأييده للسّلام مع إسرائيل، وإن انتقدَه جمهور الحزب”، كذلك في كلامه عن أنّ الأمين العامّ لحزبِ الله “لن يمون عليه لانتخاب الوزير السّابق سليْمان فرنجيّة”، يُدركُ جيداً أنّ باسيل يبتزّ حزبَ الله في الملفّ الرّئاسيّ.
بعد مُقابلة “النّهار”، حطّ باسيل رحاله في عائشة بكّار. دخلَ دار الفتوى وصرَّح من على منبرها بعد لقائه مُفتي الجمهوريّة الشّيخ عبد اللطيف دريان: “لا خلاف على هويّة لبنان العربية، نحنُ متيقّنون أنّ لبنان بحاجة إلى احتضان دائم من الدول العربية، وعدم تدخّلها بشؤوننا يحتّم علينا رفض التدخّل بشؤون أيّ منها، إذ لا قدرة لنا على ذلك، ونحن نريد الحفاظ على علاقاتنا مع الدول العربية لِما فيه مصلحة لبنان في العيش بسلام في محيطه العربي”. وليسَ هذا الكلام من عائشة بكّار إلّا ليُسمَعَ في حارة حريك.
صفة المجلس بعد الجلسة
قد تدفع دعوة برّي لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة نحوَ “حلحلة” العُقدِ الحكوميّة. إذ يصيرُ باسيل مُستعجلاً للرّضى بالقليل، عوضاً عن خسارة كلّ شيء في حال تمّ الاتفاق على اسمٍ للرّئاسة قريباً.
هنا يطرح السّؤال: هل يستطيع مجلس النّوّاب أن يمنحَ الثّقة لحكومة جديدة في حالِ التأمَ مجلس النّوّاب بنصاب الثّلثيْن؟
عن هذه المسألة، يجيب الخبير الدستوري النّائب السّابق هادي حبيش بالقول إنّ المادّة 75 من الدّستور تقول إنّ “المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهوريّة يُعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة أيّ عمل آخر”.
يقول حبيش إنّ عبارة “المجلس المُلتئم” تعني أن تكون جلسة الانتخابُ مُنعقدة بنصاب الثّلثيْن. وفي حال لم يُنتخَب رئيسٌ جديدٌ للجمهوريّة في الجلسة الأولى بأكثريّة الثّلثيْن، ثم دعا رئيس المجلس إلى جلسة ثانية في اليوم نفسه، ولم يكتمل نصاب الحضور (أي الثلثيْن)، فعندئذٍ لا يُعدّ المجلس ملتئماً، ويستطيع أن يُشرّعَ أو أن يُناقِشَ بياناً وزاريّاً لحكومة جديدة وأن يمنحها الثّقة.
يستشهد حبيش بجلسات الانتخاب التي عُقِدَت قبل انتهاء ولاية الرّئيس السّابق ميشال سليمان في نيسان 2014.
يومذاك اكتمل النّصاب في الجلسة الأولى ونالَ مرشّح قوى 14 آذار سمير جعجع 48 صوتاً، والنّائب السّابق هنري حلو 16 صوتاً، فيما سُجل وجود 52 ورقة بيضاء. لكن بعد فقدان نصاب الثّلثيْن في الجلسة الثّانية، اعتبر برّي المجلس في حالة عدم التئام وصارَ يدعو إلى جلسات تشريعيّة، على الرّغم من بعض الاعتراضات، إلّا أنّ المجلس شرّع عدداً كبيراً من القوانين، حتّى انتُخِبَ ميشال عون رئيساً في 2016.
هل يكتمل النّصاب اليوم؟
يكثُر السّؤال: هل تنعقد الجلسة بنصاب الثّلثيْن؟ وتحوم الأسئلة حول مصير مشاركة الكتل النّيابيّة.
صارَ محسوماً أنّ كتلتَيْ حزب الله وحركة أمل ستُشاركان في الجلسة، وكذلك النّوّاب السُّنّة والنّواب المُقرّبون من قوى 8 آذار، وكتلة اللقاء الدّيمقراطيّ، التي لم تحسم اسمَ مرشّحها بعد.
وتشير مصادر تكتّل لبنان القويّ لـ”أساس” إلى أنّ نوّابها سيُشاركون “من حيث المبدأ” في جلسة اليوم، إلّا أنّه لا اسمَ محسوماً حتّى ساعة كتابة هذا التّقرير.
أمّا عن نوّاب “التغيير” فتقول النّائبة بولا يعقوبيان لـ”أساس” إنّ النّواب الـ13 سيُشاركون في الجلسة، وسيُصوّتون لمرشّحٍ لم تكشف عنه.
قد تشهدُ جلسة اليوم اكتمال النّصاب، لكنّ أحداً لا يستطيع حسمَ المعركة الرّئاسيّة. فحزبُ الله يحتاج إلى باسيل ليحسمَ مصير فرنجيّة بـ65 صوتاً من الدّورة الثّانية. وهذا ما لن يكون اليوم بعدما أعلن باسيل صراحةً أنّ “نصرالله يعلم بأنّه لا يمون في هذه المسألة”. وعليه أطلَقَ برّي صفّارة الانطلاق للسّباق الرّئاسيّ، الذي لن يُحسم في القريب العاجل.