«شرق أوسط جديد» فيدرالية يقودها الكِيان
لمحة في نظرية "الشرق الأوسط الجديد"
زهراء حسن قصير
عند سماع مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» أول ما يتبادر إلى الذهن مشهد وزيرة الخارجيّة الأميركية السابقة “كونداليزا رايس” في لبنان في حرب تموز 2006 ملوّحةً بأن هذه الحرب هي مخاضٌ لشرق أوسط جديد، ولكنّ هذا المصطلح له جذور مرتبطة بسياسات أميركا والغرب في القرن الماضي.
المخاض العلني لهذا الشرق الأوسط الجديد بدأ – بحسب رايس- في حرب تموز. وعند البحث عن مصاديق هذا المخاض نجد الكثير من المخاضات السرية التي كانت نهايتها السريّة عام 2006 لتأخذ مصاديق واضحة بعدها.
لنعد إلى البدايات، بعد تشكيل العالم على أساس الاتفاقيات السياسيّة أمثال؛ سايكس بيكو، واتفاقيات نهاية الحرب العالميّة الثانية.. التي شكّلت الدول ابتداءً من الصين ووصولاً إلى المحيط الاطلسي، رأى بعض منظّروا الغرب أن هذه الاتفاقيات أصبحت منتهيّة الصلاحيّة، وأن على الغرب المبادرة لهندسة العالم من جديد وخاصة الشرق الأوسط هدفها تقاسم الثروات الطبيعيّة. أبرز هؤلاء المنظّرين هو «برنارد هنري لويس» (1916- 2018) صاحب أخطر وأشهر مخطّط هادف إلى تفتيت الشرق الأوسط.
كان “لويس” يمتلك من الفكر والعلم ما جعله يضع خرائط ونظريّات لإعادة تشكيل العالم العربي على أساسٍ عرقيٍّ وطائفيّ. هذا بعيدًا عن نظرية المؤامرة لأن وثيقة لويس التي أقرّت في الكونغرس الأميركي عام 1983 هي النهج التي تعتمده أميركا في إدارة سياستها في الشرق الأوسط.
يُعتبر لويس من المؤثّرين الفاعلين في السياسة الأميركية إبّان حكم جورج بوش الابن، إذ كان المنظّر لتدخّل الإدارة الأميركيّة في المنطقة العربيّة، والحرب على “الإرهاب” التي زعم القيام بها، وكان الدور الأهم فيها ل “ديك تشيني” نائب الرئيس الأميركي السابق الذي يقول عن “لويس”، أن “صانعي السياسة وأقرانه من الأكاديميين والإعلام الجديد يسعون يوميًّا إلى حكمته في هذا القرن الجديد”.
مخطط “شرق أوسط جديد” قائمٌ على تفتيت المنطقة العربيّة إلى أكثر من ثلاثين دولة قائمة على أساس طائفيّ، وما تسرّب من المخطط لأول مرة خرائط تقسيم نشرتها مجلة وزارة الدفاع الأميركية، وبعدها تم نشر خارطة تقسيم في مقال في صحيفة نيويورك تايمز عام 2013 تحت عنوان «كيف يمكن تحويل 5 دول إلى 14 دولة»، 5 دول هي “ليبيا، السعودية، اليمن، العراق، سوريا”.
وبحسب هذا التقسيم تنقسم سوريا إلى ثلاث دول (واحدة للعلويّين على الساحل، وثانية للأكراد، والثالثة للسُنّة)، وكذلك العراق ينقسم إلى ثلاث دول طائفيّة، تتّحد كل دولة بمثيلاتها من الدول السورية على أن يبقى الوسط للشيعة، وليبيا تصبح ثلاث دولٍ أيضاً، واليمن يمنيْن، والسعودية 5 دويلات وترجّح الصحيفة أن يصبح اليمن بأكمله أو جنوبه على الأقل جزءً من السعودية.
هذه الفيدرالية تقودها “إسرائيل”، لتحقّق حلم “إسرائيل العظمى” من النيل إلى الفرات، بعد تناحر وتقسيم الدول المجاورة كما أوردنا.
ونرى أيضاً في «ثورات الربيع العربي» وكيفية تعامل الإدارة الأميركيّة معها مصاديق على هذه النظريّة، وتتجلّى في كثير من الأحداث التي حصلت في القرن الماضي والحاضر.
يقول لويس في مقابلة صحفيّة: «إنّ العرب والمسلمين قومٌ فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم.. وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضّر بموجاتٍ بشريّة إرهابيّة تدمّر الحضارات وتقوّض المجتمعات.. ولذلك الحلّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم. لذلك فإنّه من الضروريّ إعادة تقسيم الاقطار العربيّة والإسلاميّة إلى وحدات عشائريّة وطائفيّة، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثّر بانفعالتهم وردود افعالهم. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك “إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمّروا حضارتنا” ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمّتنا المُعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية». و “الديمقراطة” هي شمّاع الغرب لكل احتلالٍ جديد.
هذا الشرق الأوسط الجديد تمخّض ولم يلد إلاّ فأرًا هاربًا من أحذية المجاهدين في لبنان وسوريا والعراق..