سقوط نظرية الرئيس القوي والمطلوب شبيه لشهاب يرسي دولة المؤسسات
سقطت نظرية الرئيس القوي في طائفته بعد ساعات قليلة من انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية في 30 تشرين الأول 2016، عندما سارعت شخصيات سياسية تصنف في خانة محور حزب الله والتيار الوطني الحر، إلى القول: “رئيس قوي لمرة واحدة ووحيدة”، في حين اعتبر التيار الوطني الحر أن ملف صلاحيات رئيس الجمهورية وتعديلها، من الملفات التي سيقاتل من أجلها اقتناعا منه أن صلاحيات الرئيس قيدت وجرى تقليصها جراء اتفاق الطائف الذي يجب أن يتم تطويره والتوصل إلى عقد وطني جديد يجمع المشتركات عبر دولة مركزية.
وصل الرئيس عون إلى بعبدا مرتكزا إلى شارع يدعمه من مختلف الطوائف وإلى كتلة نيابية وزانة وتفاهمات سياسية بمعظمها كانت آنية، مرحلية، تبددت مع تضارب المصالح والرؤى تجاه بناء الدولة والجمهورية، بحيث واظب رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل على القول إن معركة تياره لا تختصر بوصول الجنرال إلى رئاسة الجمهورية إنما ببناء الجمهورية بعدالتها والشراكة المتناصفة بين مكوناتها.
الاقوال الباسيلية لم تقترن بالافعال. راهن عارفو “الجنرال” على أن التحالفات السياسية والاعتبارات الشخصية أو الحزبية لن تكبله عن ممارسة الحكم لبناء الدولة الذي يطمح إليها هؤلاء ومعظم أبناء هذا الوطن، لكن هؤلاء عدلوا في السنوات الثلاث الأخيرة من ولاية الرئيس عون عن رهانهم، معتبرين اليوم أن القائد لم يحسن “ادارة الجمهورية”. ومرد ذلك، الرئيس الظل الذي يصول ويجول في قصر بعبدا والذي كبل الرئيس عون ودفعه إلى قرارات وخيارات خصخصت الدستور لمنافع ضيقة وأطاحت بكل الآمال التي عقدت على الإصلاح والتغيير في الدولة وإخراج البلاد من أزمته المتمادية في حين أن الرئيس القوي يفترض أن يضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار من أجل استعادة الدولة وفق الدستور وبعيدا عن الاجتهادات.
يقول عارفو الجنرال أنفسهم: وصل الرئيس عون إلى السلطة، لكي ينقذ اللبنانيين من براثن الفاسدين، لكنه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
لماذا؟
لأن لبنان في هذا العهد، بحسب الاوساط السياسية، تحول الى حلبة مواجهات سياسية عبثية، قادها النائب باسيل، عطلت عملية الإصلاح المالي والاقتصادي المنشود وعمل المؤسسات والتعيينات القضائية والادارية والعسكرية والأمنية، بعدما اطلقت يده في الحصة الوزارية والتعيينات المسيحية. هذا فضلا عن أن سياسيات نائب البترون ضربت الشراكة الحقيقية التي كان من المفترض أن تتعزز في ولاية الرئيس عون بدل أن تنسف تحت شعارات مختلفة، مرورا بالتسييس الذي يكاد يطيح بالجامعة اللبنانية ومرد ذلك ملف تعيين العمداء المعرقل بسبب التوزيع الطائفي وربطت به ملفات: دخول الأساتذة المتفرغين في الملاك، دخول الأساتذة المتعاقدين في التفرغ، والمدربين، وصولا الى المؤسسات الرسمية التي لم يتم اصلاحها، وملفات الفساد التي جرى انتقاؤها، فالبلد الغارق في العتمة غارق ايضاً في الفساد، يتحكم به كارتيل سياسي – مالي. والازمة الراهنة على الصعد كافة كشفت النقاب عنه من دون أي ملاحقة قضائية جدية.
في سياق متصل، ووفق هذه الاوساط، فقد أدخل الرئيس عون وتياره البلد في صراعات المنطقة عندما وقف متفرجا على حزب الله ومواقفه تجاه الدول الخليجية والتي انعكست سلبا على أوضاع اللبنانيين المغتربين، ولم يضع على طاولة البحث طيلة ولايته ملف الاستراتيجية الدفاعية التي أعلن عنها قبل خطاب القسم وبعده. وجهة النظر هذه تعتبر ان الرئيس عون تماشى مع النظام السياسي التحاصصي بدل أن يدفع نحو اصلاحه انطلاقا من اتفاق
الطائف. ولأن المنظومة الحاكمة من التسعينيات حتى اليوم لا يتأمل أحد منها خيرا، بحسب هذه الاوساط، وجهت بوصلة الانتقاد لعهد الرئيس عون الذي اسقط أهل بيته مشروعه قبل سواهم، علما أن مناضلين في التيار الوطني الحر لا يعارضون هذا التوصيف، ويضيفون عليه، ليت الرئيس الجنرال استقال بعد ثورة 17 تشرين وقلب الطاولة على رؤؤس الجميع، الحلفاء قبل الخصوم، إلا أن حسابات جبران تبقى الحكم في القصر. هذا فضلا عن رئيس الجمهورية دفع ثمن خياراته السياسية ودفاعه عن سلاح حزب الله من منابر عربية ودولية، في حين أن الحزب نفسه عطل مشروع الرئيس عون الإصلاحي ولم يلاقه في مشروع بناء الدولة، لا بل شكل درعا واقية للمعطلين بحجج طائفية ومذهبية.
يقول قطب سياسي بارز: من ناحية واقعية وبغض النظر عن الحجج التي يسوقها أصحاب وجهات النظر المختلفة، فإن عهد الرئيس عون بوصفه رئيسا قويا كان كارثيا، ومن اسوأ العهود التي مرت على لبنان لكن يبقى السؤال هل يرتبط ذلك بقوته كرئيس أم أن ثمة اسباب أخرى ترتبط بالظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة وبحدة الاصطفافات المحلية والاقليمية؟ وعندما يسأل: هل كان الرئيس القوي مفيداً لموقع الرئاسة الأولى؟ يقول: الإجابة هي بدورها عرضة للانقسام تبعا لطبيعة الانقسام السياسي في البلد، لكن الأكيد أننا بحاجة اليوم إلى رئيس “شهابي”، لأن الظروف الراهنة تستدعي انتخاب شخصية مثل الرئيس فؤاد شهاب الذي أرسى دولة المؤسسات.