من بروشيتش الى إيليتش: لبنان مجدداً يتجه شرقاً
منتخب لبنان يدخل دائرة المدرسة الصربية في تجربة جديدة مع كرة أوروبا الشرقية التي أصبح لديها تاريخ مع الكرة اللبنانية. الصربي ألكسندر إيليتش هو الاسم الذي اختاره الاتحاد اللبناني لتولي المهمة الوطنية لمدة 3 سنوات، فما هو التأثير الذي يمكن أن يحمله هذا المدرب إلى «منتخب الأرز»؟
العودة إلى سجلات الماضي لا تعطي معلومات واضحة عن تاريخ المدربين الذين أشرفوا على منتخب لبنان قبل مطلع الخمسينيات باستثناء ذكر اسمي عبد الطرابلسي وجان العرب، ليطل النمسوي فينزنز ديتيريش كأول مدربٍ أجنبي تولى تدريب منتخبنا.
بعده يطلّ اسم مدربٍ صربي (يوغوسلافي) هو ليوبيتسا بروشيتش لفترةٍ قصيرة في عام 1956، ومن ثم الإنكليزي هنري رايت في أواخر الخمسينيات، ليسيطر بعدها المدربون اللبنانيون على الساحة من عام 1958 مع جوزف نالبانديان ووصولاً إلى الراحل عدنان الشرقي (1989-1993)، وذلك مع مرور اسمٍ بلغاري بينهم عام 1985 هو ثيودور شيموفسكي.
وتلا هذه الفترة حضوراً أجنبياً لافتاً مع 8 مدربين كان أبرزهم الويلزي تيري يوراث (أكثر المدربين تحقيقاً للانتصارات مع المنتخب بـ15 فوزاً)، ومن ثم الفرنسي ريشار تاردي والألماني ثيو بوكير. وقتذاك اتجه لبنان كثيراً إلى مدرسة أوروبا الغربية، فتقاطع فقط في تلك الفترة اسم المصري محمود سعد والسوري محمد قويض لفترةٍ قصيرة قبل توّلي الراحل محمود حمود المهمة الوطنية عام 2004.
وفي تلك الفترة أيضاً عاد لبنان إلى مدرسة أوروبا الشرقية للاستحقاق الأهم في تاريخه وهو كأس آسيا 2000 الذي شهد تعيين الكرواتي جوسيب سكوبلار على رأس الجهاز التدريبي.
هذه المدرسة عادت بقوة في الأعوام السبعة الأخيرة مع مدرب مونتينغرو الحالي ميودراغ رادولوفيتش الذي قضى 4 أعوام على رأس المنتخب محققاً نتائج لافتة، إذ خلال إشرافه على 35 مباراة، فاز منتخبنا معه 13 مرة، وتعادل في 12 مقابل 10 هزائم.
كما حضرت هذه المدرسة مع الروماني ليفيو تشوبوتاريو والتشيكي إيفان هاشيك، قبل أن تُسلّم الراية أخيراً إلى الصربي ألكسندر إيليتش.
3 مهمات لإيليتش
هنا يُطرح السؤال الكبير: هل مدرسة أوروبا الشرقية هي أكثر المدارس التي تناسب الكرة اللبنانية؟
الواقع أن المدربين الذين قدِموا من بلاد البلقان كانت لهم تجارب مقبولة مع منتخبنا، وهو ما يمكن أن يكون قد شجّع الاتحاد على تكرار التجربة مع إيليتش الذي يحمل ثلاث مهمات في عقده الذي يمتد لثلاث سنوات، أوّلها بدء العمل على بناء منتخبٍ متجدّد مع اقتراب عددٍ لا بأس به من اللاعبين من نهاية مسيرتهم الدولية، وثانيها خوض نهائيات كأس آسيا 2023، وثالثها التصفيات الآسيوية الخاصة بالتأهل إلى كأس العالم 2026.
مهماتٌ ثقيلة بلا شك تبدو مجهولة النتائج بالنسبة إلى الكثيرين بسبب عدم معرفة ما يمكن أن يقدّمه إيليتش من إضافةٍ للمنتخب. لكن ما يمكن الإضاءة عليه هو طبيعة عمل المدربين القادمين من المدرسة الصربية ولو أن مشواره التدريبي في بلاده اقتصر على فترتين مع فريق مسقط رأسه رادنيتشي نيش.
ومما لا شك فيه أن المدرسة الصربية تعدّ من المدارس الكروية البارزة في عالم التدريب انطلاقاً من أن صربيا هي من البلدان المتقدّمة على الصعيد الكروي والرياضي عامةً. ففي أوروبا يمكن وصف مدرسة صربيا بأنها الرديفة للمدرسة الألمانية، بحيث تعتمد بالدرجة الأولى على القوة الجسمانية والانضباط التكتيكي، وهو أمر واضح من خلال الاطلاع على تركيبة اللاعبين الصرب الحاليين وعبر التاريخ.
لذا يتوقّع أن يذهب إيليتش في هذا الاتجاه، ويبني مجموعته حول لاعبين يشبهون تفكير كرته، كالمدافع جوان العمري ولاعب الوسط – المدافع فيليكس ملكي على سبيل المثال لا الحصر.
هذه المسألة ستعطي ثباتاً لمنتخبنا، فالانضباط التكتيكي للمجموعة هو حاجة دائماً لسدّ النقص في الإمكانات الفنية، وهو ما اعتمد عليه الألمان في الكثير من المناسبات عندما افتقدوا إلى نجمٍ أو أكثر في احد الخطوط على أرض الملعب، فاعتُبروا دائماً الأكثر التزاماً في القارة الأوروبية.
بين الشرق والغرب
بطبيعة الحال، طوّر الصرب الشق التكتيكي من مدارس أوروبا الغربية حيث ينجح لاعبوهم حالياً في بطولاتٍ مثل ألمانيا والنمسا أي البلاد التي تضمّ جالية صربية كبيرة انتدبت العديد من أبنائها إلى المنتخبات النمسوية. أما التركيز على الشق البدني من خلال تفضيل اللاعب القوي جسمانياً، فقد ورثه مدربو صربيا من المدرسة السوفياتية التي تركت تأثيراً كبيراً عليهم.
هل مدرسة أوروبا الشرقية هي أكثر المدارس التي تُناسب الكرة اللبنانية؟
وفي هذا الجانب الفني يمكن استعادة مشهد النجاح الذي عرفه منتخبنا لفترةٍ مع «رادو» الذي يعدّ خريج المدرسة الصربية لا بل كانت أولى أدواره التدريبية الدولية مع منتخبات جمعت صربيا ومونتينيغرو قبل انفصالهما من خلال إعلان الأخيرة لاستقلالها.
طبعاً لا يمكن القول أن إيليتش الصارم جداً على حدّ وصف معاصرين له، سيعمل بنفس نهج رادولوفيتش قبل رؤية عمله على أرض الواقع، لكنه سيملك أفضلية من خلال فهمه للعقلية العربية انطلاقاً من تجاربه السابقة في العراق والسعودية حيث تطفو بعض الجوانب في الحياة الكروية للاعبين بشكلٍ شبيه لما يعيشه اللاعب اللبناني، وخصوصاً في «بلاد الرافدين»، علماً أن مدربي البلقان ليسوا بعيدين عن الأجواء التي تحيط بالكثير من البلدان العربية كروياً، وخصوصاً على صعيد المشكلات والعوائق التي يواجهها المدرب في تعاطيه مع محيطه. ولهذا السبب عاد الخليجيون أخيراً إلى الاستعانة بمدربين كثر من تلك المنطقة كونهم يتمتعون بالمرونة اللازمة للتعامل مع التحديات الداخلية ولو أن فرصهم في النجاح أقل من تلك التي يجدونها في بلدانهم الأم لسببين، أوّلهما اللغة، وثانيهما مستوى اللاعب في أوروبا الشرقية الذي يعدّ أعلى من غالبية اللاعبين في محيطنا العربي.
ويبقى أن المدرب القادم من أوروبا الشرقية هو أفضل الخيارات للبلدان الباحثة عن التطوّر وفق مراحل لأن المدرب القادم من أوروبا الغربية أو اللاتيني سيصعب عليه الالتقاء مع الفكر الكروي اللاعب على اعتبار أن تجارب هذا النوع من المدربين انطلاقاً من مدارسهم الأصلية تبدو متقدّمة جداً مقارنةً بكرتنا وبكرة العديد من البلدان الناطقة بلغة الضاد.
المصدر : الأخبار