حقائقٌ مشوّقة.. هذا ما أخفاه نصرالله في خطابه!


كما كان مُتوقعاً، أرسى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه، أمس الأربعاء، معادلات ردع مستجدّة مع العدو الإسرائيلي، مُعلناً أنّ الأمور في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية لم تعُد مرتبطة بحقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، بل باتت أبعد من ذلك.
عملياً، فإنّ إطلاق نصرالله لمعادلة “كاريش وما بعد كاريش وما بعد بعد كاريش”، يعني تماماً الأمور التالية:
أولاً: المشكلة اليوم لم تعد مرتبطة ومحصورة بحقل كاريش وحده، بل هي تخطّت هذا الحقل وشملت كافة السّاحل الفلسطيني. وبمعنى آخر، فإنّ نصرالله كان يعني بكلامه أمس أنّ التنقيب الإسرائيلي عن الغاز في أي بقعة في المياه الفلسطينية المُحتلة لن يكون مقبولاً أبداً طالما أنه لم يتم السماح في المقابل للبنان بالتنقيب عن الغاز والنفط ضمن مياهه.
ثانياً: على أساس كلام نصرالله، فإن الرهان على حقل كاريش منفرداً لم يعُد يفي بالغرض. ففي حال وافق الإسرائيلي على وقف التنقيب فيه، فإن ذلك لا يعني انتصاراً للبنان. هنا، الحلقة الضائعة والتي يجب الإنتباه إليها هي أنّ إسرائيل يمكنها التنقيب عن النفط في أماكن أخرى، وبالتالي الاستفادة إقتصادياً. في المقابل، فإنّ لبنان سيكون قد منع التنقيب في كاريش، لكنه في المقابل لم يحصل على امتيازات تسمحُ له بالتنقيب على كافة مياهه مثلما ستفعل إسرائيل. وعليه، فإن الاستفادة هنا معدومة تماماً، وبمعنى أبسط: لدينا خزانات نفطية ولا يمكننا الاستفادة بقطرة منها.. فأي المكاسب منها؟

من دون أي مُنازع، أرسى نصرالله قواعد جديدة تُبنى عليها المرحلة الحالية، وأساسها في كلّ ذلك هو أنّه ليس مسموحاً لإسرائيل بالتنقيب عن النفط في أي بقعة من المياه من دون السماح للبنان بالتنقيب أيضاً في أي بقعة من مياهه. فمثلما يُراد لإسرائيل الاستفادة من النفط والغاز من أجل التنمية والاقتصادية، فإنّه يحق للبنان الغارق بالأزمات أيضاً القيام بالخطوة نفسها. إذاً، وانطلاقاً من كل ذلك، يتوضح التالي: التنقيب مقابل التنقيب، ويجب السماح لكل شركة راغبة في الدخول إلى لبنان من أجل بدء العمل في حقول النفط والغاز بعيداً عن التخويف بالعقوبات.
مع كل ذلك، فتح نصرالله الأبواب أمام معركةٍ عسكرية، جويّة – بحرية بكافة المقاييس من دون تحديد زمانها والتوقيت المناسب لها. هنا، يكمُن الإرباك الذي يتجدّد في صفوف القيادة العسكريّة الإسرائيلية، خصوصاً أنّ أمر “المُسيّرات” جعلها تواجهُ تحدياً جديداً، كما أنه ضاعف لديها المخاوف القائمة من عدم إمكانية استمرار التنقيب عن الغاز في حقل كاريش المتنازع عليه مع لبنان، خلال الموعد المُحدّد في أيلول المُقبل.

بعيداً عن مضمونِ الرسائل المتنوّعة باتجاه الداخل الإسرائيلي، كان نصرالله حاسماً في “ضبط التّصعيد المدروس” مع تل أبيب، إذ استطاع إدخال العدوّ الإسرائيلي في مرحلة جديدة من التخبّط عبر عدمِ حسمِ آفاق ما ستشهدهُ المرحلة المُقبلة على الصّعيد العسكري. إلا أنه في المقابل، كان نصرالله مُدركاً تماماً لأهمية رسم خطوطٍ جديدة للمعركة، فارضاً قرار “حزب الله” على خطّ ترسيم الحدود البحريّة، وهو أمرٌ يحسب له الإسرائيليون ألف حسابٍ وحساب. فعلى هذا الصعيد، أكد نصرالله تصميم الحزب على إطلاق المُسيرات مجدداً من أنواعٍ مختلفة وبقدرات هجوميّة.
ما الذي أخفاه خطاب نصرالله في خطابه؟

في الواقع، لم يكشف نصرالله عن كامل أوراق القوّة التي قد يلجأ إليها “حزب الله” في حال قررت إسرائيل التّمادي ضمن حقل كاريش من جهة، وفي حال استمرّ منع لبنان من التنقيب عن الغاز ضمن بحره.
حتى الآن، ما يتبين هو أنّ تل أبيب ما زالت مستمرّة في تحضير الأرضية للتنقيب، لكن خطاب نصرالله بالأمس سيجعلها تُعيد حساباتها على قاعدة أن التهديد بات شاملاً وخرج من نطاق “كاريش”.

في سياق الخطاب، كان نصرالله مُتحفظاً تماماً عن البوحِ بآليات تحرّك “حزب الله” ضدّ منصة الغاز العائمة في كاريش أو أي منصة أخرى ستلجأ للتنقيب في أي بقعة من المياه الفلسطينية. وعملياً، التكتّم مطلوبٌ في هذه المرحلة الدقيقة عملاً بمبدأ عدم الكشف عن الوسائل المُتاحة. إلا أنه في المقابل، يُمكن هنا استعادة تقرير نشره موقع “والا” الإسرائيلي مطلع الشهر الجاري، إذ كشف فيه عن أن غواصين من “حزب الله” نفذوا عملية بحرية لفحص تكنولوجيا الجيش الإسرائيلي للرصد تحت الماء، عام 2016.

يشيرُ التقرير إلى أنّ “عوامة وضعتها البحرية الإسرائيلي على الحدود، سقطت في أيدي غواصين من قوة النخبة في حزب الله، وانجرفت إلى الجانب اللبناني”.

وينقل التقرير عن رئيس قسم الأبحاث في مركز ألما الإسرائيلي للتحديات الأمنية في الشمال، تال باري، قوله إن “حزب الله طوّر ثلاث قدرات في الساحة البحرية: إصابة منصة مُعرّفة بأنها هدف ثابت كبير جداً، وضرب سفينة، ومداهمة الشواطئ الإسرائيلية”.

هُنا، الكلام هذا يستدعي الوقوف عنده بشكل حاسمٍ وكبير، ويفرض طرح تساؤلاتٍ كثيرة وهي على النحو التالي: هل قصد نصرالله فعلاً في حديثه أمس عن معادلات الردع، الإشارة إلى تلك القدرات؟ لماذا لم ينفها نصرالله أو يأتِ على ذكر المعلومات التي أوردها التقرير الإسرائيلي، علماً أنه تلك الأمور كُشفت قبل حادثة المُسيرات بساعات قليلة؟
بشكل أو بآخر، ما يتبيّن بشكل واضح أن “حزب الله” يعدّ العدّة لمفاجآت، وقد يكون التقرير الإسرائيلي بمثابة جرس إنذارٍ جديدٍ لإمكانية حصول عمليات بحرية غير متوقعة من قبل قوّات النخبة في “حزب الله” ضدّ منصة الغاز في كاريش أو أي منصة أخرى. عندها، قد يتم استخدام صواريخ تحت الماء بإمكانها أن تقلب المعادلة، ما يعني أن حرب المسيّرات الجويّة لن تكون وحدها العامل المُخيف لإسرائيل.

إضافة إلى ذلك، فإن معادلة الهجوم البحري ستفرض نفسها ضدّ كل السفن والبواخر الإسرائيلية، وبحال كانت المبادرة تحت الماء، عندها سيكون الاعتراض صعباً، وبالتالي الهدف سيكونُ تحت مرمى النيران بشكل كامل، وهنا الطّامة الكبرى بالنسبة لإسرائيل. أما الأمر الأخطر فهو أن يتمكن عناصر “حزب الله” من التسلل إلى الداخل الفلسطيني لتنفيذ عمليات أمنية في الموانئ الإسرائيلية، وهو أمرٌ سيشكل خرقاً غير مسبوقٍ في تاريخ الكيان الإسرائيلي.

في تعليق مقتضب على كل ذلك، تقول مصادر مقربة من “حزب الله” لـ”لبنان24″: “المفاجآت العسكرية كثيرة، وبالتالي على إسرائيل مراجعة حساباتها كثيراً، لأن الخسارة ستكون فادحة على كافة المقاييس”.

وإنطلاقاً من كل هذه المعطيات عن القدرات البحرية والجوية، باتت إسرائيل مُجبرة على التفكير كثيراً في أي خطوة تقوم بها خلال الفترة المقبلة، وما كلام نصرالله سوى رسالة تهديدٍ واضحة بأنّ أي خطوة ضمن كاريش قبل إتمام المفاوضات، يعني تكريساً لمفاجآت لم تشهدها تل أبيب من قبل.

عملياً، فإن كل العوامل هذه، إذا اجتمعت، تشكل حافزاً للوساطات الغربية لتصعيد وتيرتها والتمسك بتعجيل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل تجنّباً لحرب بحريّة قد تؤدي بالمنطقة إلى جبهة جديدة. إلا أن ما يبدو بشكل واضح هو أنّ الأمور قد تبقى مضبوطة نوعاً ما، لاسيما أنّ زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل، اليوم الخميس، هدفها ترسيخ مساعي السلام في المنطقة، وبالتالي إنتفاء أي مبدأ للحرب خلال الفترة المقبلة.
وعلى قاعدة الحفاظ على المصالح في البحر المتوسط، وتجنباً لحربٍ مفتوحة، وفي سبيل تسريع التنقيب عن الغاز بعيداً عن اضطرابات، ستجدُ إسرائيل نفسها مُرغمة في نهاية المطاف للقبولِ بشروطٍ تدفعها لوقف التنقيب عن الغاز مؤقتاً في كاريش ريثما يتم التوصل إلى تسوية مع لبنان تتضمّن السماح للأخير بالتنقيب عن النفط في كلّ المناطق العائدة له مع حسم أمر “كاريش” والنقاط الخلافية بشأنه. عندها، ستتخذ الأمور مساراً جديداً على الصعيدين السياسي والعسكري والإقليمي، وستكون “الفرصة الذهبية” التي تحدّث نصرالله عنها بالأمس، قد تحقّقت.

ووسط كل هذه المشهدية، يبرز أيضاً أن نصرالله تجنب الحديث عن أي وساطات قد حصلت مع “حزب الله” بشأن ملفي ترسيم الحدود البحرية و “المسيرات”. فكما هو معلوم، فإن الخطوط بين “حزب الله” والفرنسيين الذين استنجد الإسرائيلون بهم، مفتوحة وسالكة، وبالتالي قد تكون الرسائل المتبادلة قد حصلت، لكن نصرالله لم يتطرّق إلى مثل هذه الأمور أبداً.

ما يُمكن قوله في خلاصة الأمر هو أنّ المرحلة المقبلة ستفرز عن سياقين: إما تهدئة وتسوية وإما جبهة مفتوحة ومحرقة، والخيار الثاني هو الأكثر استبعاداً. وحُكماً، أمام لبنان مفترق طرق: إمّا الانتصار أو الإنكسار في معركة وجوديّة بكل المقاييس، والأمور ستتخذ مساراً متطوراً خلال الشهرين المقبلين الضاغطين بقوّة كبيرة.
المصدر: “لبنان 24”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى