” أرواح تائهة ” تلتقي على مسرح البابلية في الجنوب اللبناني
رضا دياب / خاص ليطاني نيوز
عند الساعة السابعة والنصف من مساء يوم أمس الجمعة بدأت تتوافد الناس الى مسرح البابلية في جنوب لبنان وما هو إلا وقت قصير حتى امتلأ الصف الأمامي ، كان طاغياً حضور رؤوساء البلديات والفاعليات البلدية والحزبية على المشهد ، وفود تلو الوفود تدخل الى مدرج المسرح الأنيق بديكوره الجميل وزخرفاته المميزة على وقع نغمات موسيقية لملمت شتات تلك “الأرواح التائهة” على مقاعد المسرح
فجأت خفتت الموسيقى ، نظرت الى هاتفي ، لقد التقى العقربان ، إنها الساعة الثامنة ، صعدت فتاة من منظمي الفيلم الى المسرح رحبت بالحضور وأعلنت عن كلمة لرئيس اتحاد بلديات ساحل الزهراني الأستاذ علي مطر ، إنه راعي الحفل ، بإيجاز بسيط لخص مطر ما نحن بصدد أن نشاهده بعد كلمته شكر الجميع وعاد الى مقعده في الصف الأمامي على وقع التصفيق الحار من الحضور ، وما هي إلا لحظة حتى أطفأت الأنوار وسادت الظلمة المكان وفجأة انبعث من على خشبة المسرح نور سطع في أعيننا جمع أرواحنا ولملم شتات نظراتنا في المكان وصوبها الى شاشة كبيرة ، بدأ عرض الفيلم ساد الصمت المكان على مدار ساعة وأربعون دقيقة يكسره من وقت لآخر بعض الكوميديا الجميلة التي جاءت كنكهة خاصة زينت دقائق الفيلم الدرامية والحزينة
الفيلم الذي يحكي قصة حب جمعت ملاك وجاد في تركيا كان شبيهاً كثيراً بالواقع الذي نعيشه في لبنان ، إمرأة مطلقة لديها طفلة أعجب بها مدير عملها أعطته فرصة فعاشا قصة حب في اسطنبول يحلم بأن يعيشها كثيرون ولكن سرعان ما انفصلا بعدما علمت ملاك عدم رضى والدة جاد عن هذا الزواج لأنها مطلقة، لتترك ملاك تركيا دون علم احد وتعود الى لبنان فيترك جاد تركيا أيضاً ويعود الى لبنان للبحث عنها ليكمل باقي تفاصيل الفيلم في لبنان وعلى الرغم من كل تلك التفاصيل الجميلة والمشوقة التي كانت تنتقل من مشهد الى مشهد لم يغب عن بال المخرج ” رجا مروة ” وكاتبة النص ” فاطمة حميدان ” أن يرينا عقلية اللبناني الغريبة في كثير من الأحيان
حيث رأينا نظرة المجتمع ونظرة البائع للمطلقة حين دخلت متجره واللطافة الزائدة في معاملتها لم يغب عن باله أن يرينا نظرة الأخ الى أخته المطلقة وهي التي تصرف عليه وهو العاطل عن العمل مطمئنا الى أن هناك من يعطيه مصروفه وبدل من شكرها على ذلك كان يتصرف على أنه الرجل وأخته المطلقة عار عليه وعلى المجتمع
في المقلب الآخر كانت قصة حب من طرف واحد تعيشها ايفا مع ابن خالتها نادر الذي لا يبالي لها ليسلط الضوء على الزواج الذي يتم تدبيره من قبل الأهل فجميع محاولات إغواء نادر من قبل ايفا لم تنجح حيث يأست من أنها تركت كل شيء وذهبت اليه ليقوم هو بالزواج من أخرى مما يدفعها الى الترفيه عن نفسها بالمخدرات ودفع الأموال الباهظة لينتهي بها الأمر مجبرة على ممارسة الجنس كلما أرادت ” شمة مخدرات ”
تلك التفاصيل المشوقة كانت تلملم شتات الأرواح التائهة لتجعلها تنطلق في فضاء رحيب والفكرة واحدة ” محاربة تقاليد المجتمع البالية ”
على الرغم من كل جمال ودقة ما تحدثنا عنه والرسائل التي وصلتنا الا أن ساعة وأربعون دقيقة لم تكن كافية لتسليط الضوء الكامل على هاتين القضيتين فتم اقتضاب الكثير من المشاهد التي كان يمكن أن تضفي رونقاً آخر أو لعل القدرات الانتاجية المادية لا تتحمل أكثر من هذا الوقت وهذا يسلط الضوء على مشكلة جديدة وهي أن البيئة لدينا تحتاج الى ثقافة الفن أكثر الى منتجين وشركات انتاج تؤمن بهكذا جهد جبار تم تنفيذه باللحم الحي فلو أن هذا الفيلم كان سلسلة من عدة حلقات لكان أفضل بكثير من حصره في هذه المدة
وهناك الكثير من التفاصيل التي لم نذكرها حفاظا على خصوصية الفيلم ولترك الدافع لدى من يقرا أن يذهب ويشاهد بنفسه تلك التفاصيل الأساسية التي لم نذكرها ونهاية الفيلم الرائعة