بالوقائع.. هل يرغب بايدن بحربٍ في لبنان؟


من دون أدنى شكّ، أضحى شهرُ تمّوز 2022 تاريخاً لانعطافةٍ إقليمية غير سهلة، وقد أرسى هذا المشهد تحرّك الرئيس الأميركي جو بايدن من خلال زيارته لإسرائيل والسعودية خلال اليومين الماضيين.
فعبر سياسةٍ مستمرّة في “شدّ عصب الحلفاء”، دخل بايدِن المنطقة راسماً معادلاتٍ جديدة، أبرزُها التقارب المباشر والعلني بين السعودية وإسرائيل على قاعدة التمهيد لـ”تطبيع” العلاقات بين الدولتين برعايةٍ أميركيّة. هنا، ستتمحور التبدّلات وسيكونُ الأساسُ هو الانطلاق نحو شرقٍ أوسطٍ جديد أراد الأميركيون تأسيسه في تموز 2006 بداية من لبنان، إلا أنّ السبيل آنذاك لم ينجح، فكانت التحولات التي حصلت خلال السنوات الـ10 الأخيرة ممهدةً لما وصلنا إليه اليوم في تموز 2022، حيثُ التطبيع مع إسرائيل بات قائماً في العديد من الدول العربية، وما يظهر هو أنّ “الحبل على الجرّار” بشأن ذلك.
في مجملِ كلماته خلال جولته في الشرق الأوسط، وضعَ بايدن أولوية الإستقرارَ في الصدارة، مؤكداً أنّ واشنطن لن تتخلى عن الشرق الأوسط، ولن تترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران.

إنطلاقاً من تلك القاعدة، ما يبدو ثابتاً هو أنّ الولايات المتحدة سوف تضاعف استثماراتها في تلك المنطقة، وما قاله الرئيس الأميركيّ ليس سوى رسالةً واضحة في أكثر من اتجاه: الأول هو أنّ أميركا لن ترضى بالتوسع الروسي أو الصيني أو الأميركي نحو الخليج العربي، كما أنها لن تسمحَ بتمركزٍ صيني – روسي أو إيراني على ساحل المتوسط الذي سيتحوّل إلى نقطة إقتصادية مهمّة خلال الأشهر المقبلة، وعبره سيتم تثبيت النفوذ الأميركي بشكل أكبر خلال المرحلة الآتية.

ماذا عن لبنان؟

استناداً إلى ما يقوله بايدن بشأن “الإستقرار” في الشرق الأوسط، فإنه لا يمكن أبداً إغفال موقع لبنان من التأسيس لذلك، علماً أن ملف ترسيم الحدود البحريّة بين إسرائيل ولبنان يحملُ في طياته كرةً ملتهبة قد تهدّد الأمن في أي لحظة، وبسببها يمكن للإستقرار أن ينهار. ولتفادي كلّ ذلك، فإن التوصل الى اتفاق أو تسوية تُرضي الطرفين بشأن الملف المذكور، هو الخيار الأنسب في الفترة الراهنة خصوصاً بالنسبة للأميركيين.
وانطلاقاً من ذلك، شاءَت واشنطن التأكيد مجدداً على ضرورة التشاور بملف الحدود البحرية باعتبار أنّ المنطقة يجب أن تحظى باستقرار سريعٍ يُتيح لاسرائيل التحرّك بأريحية تامّة وبعيداً عن التخبّط، وذلك خلال عملية التنقيب عن الغاز المطلوب “أوروبياً” بالدرجة الأولى. مع هذا، فإنّ بايدن يريدُ تمكين إسرائيل إقتصادياً من بوابة السّلم لا الحرب، وبالتالي أرادَ تفعيل دورها بالتعاون مع مختلف الدول العربية الأساسية لتطويق أي عاملٍ من عوامل التهديد التي قد تطالها. مُقابل ذلك، يحاول الأميركيون التعامل مع ملف لبنان بوتيرة هادئة من أجل تفادي أي نزاعٍ يمكن أن يهدم ما يريد بايدن بناءه في المنطقة.
ونظراً لتلك الاعتبارات، تبرزُ خطوط التسوية بقوّة، وتقول مراجع سياسية نقلاً عن جهات دبلوماسيّة إنّ “الأوضاع لن تذهب نحو تأزّم طالما أن الأميركيين لا يرغبون في ذلك”، وتضيف: “المشهد لا يعني أن الأمور في الإطار السليم، لكن ما يمكن استنتاجه هو أنّ واشنطن تريدُ سلاماً في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً على صعيد لبنان نظراً لأمور أساسية وهي: تأمين إسرائيل وتمهيد الطريق لها للانتعاش اقتصادياً عبر الغاز – منع أي حافزٍ لحزب الله للتحرك ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية والغربية في ساحل المتوسط – لجمُ أي نفوذ إيراني مُتزايد في منطقة الشرق الأوسط باعتبار أنها مؤئل أساسي للوجود الأميركي”.

إضافة إلى كل هذا، فإنّ تمسّك واشنطن بالوصول إلى حل سلمي بشأن ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، يأتي انطلاقاً من نقطة مفصلية وهي إنّ حصول أي نزاعٍ في لبنان سيعني سيطرة كاملة لـ”حزب الله” على المشهد، وبالتالي تعاظم الدور الإيراني في ظلّ عدم وجود قوى أخرى بذات القوة والحجم. عندها، سيُصبح لبنان ساحة مفتوحة لمثل إيران وروسيا والصين، وبالتالي ستكون إسرائيل قد خسرت رهان الإستقرار المطلوب للإنطلاق بعملية التنقيب عن النفط، وبالتالي زادت من نفوذ الإيرانيين أكثر في حال دخل لبنان في أتون حربٍ شاملة وواسعة بدعمٍ إيراني مُطلق لـ”حزب الله”.

أما الأمر الأهم فهو أن ما يتّضح تماماً هو أن أميركا تقف اليوم أمام اختبارٍ مفصلي مع الأوروبيين، لاسيما في ظلّ تنامي الحرب الرّوسية – الأوكرانية. فمن وجهة نظرِ محورٍ معادٍ، فإنّ الأميركيين أقحموا الأوروبيين في حربٍ تهددهم، وبات لزاماً على البيت الأبيض البحث عن بدائل تنقذهم من خسائر كبيرة أقله على صعيد مصادر الطاقة. ولهذا، وجد الأميركيون في البحر الأبيض المتوسّط الفرصة المتاحة للعب دور المُنقذ لأوروبا، وذلك من أجلِ إبقائها تحت جناحها، وبالتالي دفع الأخيرة للاستغناء تماماً عن روسيا وإيران التي دخلت على خطّ الغاز بقوّة. واستناداً لكل ذلك، فإنّ أميركا تسعى جاهدة لإتمام هذا الأمر، وما منطقة الشرق الاوسط سوى السبيل الأساس لذلك بالنسبة لبايدن وإدارته.

وتفادياً لأي سيناريوهات تفجيريّة، ما يتضح هو أنّ مضامين رسائل بايدن الأخيرة تؤكد أن الأخير لا يريدُ حرباً في لبنان ولا في المنطقة، وبالتالي فإن الإستمرار بنهج التسويات هو الأكثر ترجيحاً اليوم للانطلاق نحو المخططات الاقتصادية الأخرى، بحزمٍ وثبات. أما ملف الحدود البحرية، إن جرى حسمه سلمياً، فسيقلبُ المشهد رأساً على عقب في لبنان، وسيجعله أكثر قرباً من النفوذ الأميركي لاسيما إن سمحت واشنطن للشركات العالمية بالتنقيب عن النفط أمام السواحل اللبنانية من دون أيّ قيد أو شرط.
المصدر: خاص “لبنان 24”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى