عن طلال سلمان وجريدة السفير والصفحات الجميلة من عمرنا الذي مضى
قاسم قصير
في السادس والعشرين من شهر اذار 1974 وكان عمري 14 عاما ،وكنت خارجا من مدرستي ثانوية البر والاحسان في الطريق الجديدة ، شاهدت عددا من زملائي الطلاب يتحلقون حول احد الاساتذة وهو يحمل العدد الاول من جريدة السفير ، وكان الاستاذ يقول للتلامذة : هذه جريدة السفير الجديدة وهي صوت الوطنيين والمناضلين والعروبيين واليساريين في بلادنا وسيكون لها دور مهم في النضال السياسي والشعبي والطلابي في المرحلة المقبلة ، وكنا نعيش انذاك اجواء الصراع الداخلي حول مختلف القضايا السياسية والوطنية والقضية الفلسطينية والنضالات العمالية والطلابية.
ومنذ ذلك اليوم وانا اتابع الجريدة قارئا وتلميذا وبائعا للصحف ومن ثم طالبا في كلية الاعلام ومشاركا في النضالات الطلابية والسياسية والتي شهدها لبنان والمنطقة طيلة كل السنوات التي مضت منذ تأسيسها وحتى اليوم.
ورغم انني تنقلت في مواقع النضال والعمل من الاجواء اليسارية والوطنية الى الاجواء الاسلامية ورغم انني عملت في اماكن عديدة اعلاميا وسياسيا ودبلوماسيأ واجتماعيا ، فقد كنت دائما اجد ان جريدة السفير تمثلني واجد فيها ما اريده من فكر وثقافة واخبار وتحليلات ، وعلى صفحاتها تعرفت على كبار الاعلاميين والشعراء والكتاب ورسامي الكاريكاتير والفنانين، وتابعت من خلالها الاحداث السياسية التي مرت على لبنان والمنطقة ، من الحرب الاهلية الى اتفاقية كامب دايفيد وصولا للثورة الاسلامية في ايران والاجتياحات الاسرائيلية للبنان وبروز كل المقاومات الوطنية والاسلامية وصولا الى حروب المنطقة وتطوراتها المختلفة.
وكانت مقالات الاستاذ طلال سلمان وحواراته الهامة من اجمل ما نقرأه في الجريدة وفي أحد المرات إتصل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله بالاستاذ طلال سلمان طالبا منه ان يستعير قسما مما ورد في احد مقالاته كي يضيفه الى خطبة الجمعة وكان لذلك أثرا كبيرا لدى الاستاذ طلال وكان يردد هذه القصة في بعض كلماته .
وتعرفت على الاستاذ طلال سلمان من خلال كتابته اولا ومن خلال اللقاءات الشخصية وعبر دعوته للعديد من اللقاءات الحوارية الخاصة وللمشاركة في احتفالات جمعية المبرات الخيرية لتكريم الاعلاميين حيث القى كلمة فيها وبعد ان تفقد مبرة الامام الخوئي قائلا : ليتني يتيما في هذه المبرة، كما شارك في حوار
خاص مع مؤسسة الامام الحكيم منذ عدة سنوات حيث تحدث عن تجربته الصحافية ورؤيته لمستقبل العالم العربي .
وكنت احلم دوما ان اكتب وانشر مقالاتي على صفحات الجريدة وقد اتيحت لي الفرصة بداية من خلال صفحة الرأي والقضايا عبر الزميلين جهاد الزين اولا والمرحوم الاستاذ جوزيف سماحة لاحقا ومن ثم عبر الزميل الاستاذ نصري الصايغ، لكن الفترة الاجمل في حياتي الصحافية والاعلامية كانت منذ ان شجّعي الزميل الاستاذ حسين ايوب على الكتابة في القسم السياسي المحلي ، كما نشرت لي تقارير في القسم العربي والدولي بمتابعة ورعاية من الزميل الاستاذ خليل حرب.
وقد اتيحت لي فرصة العمل في الجريدة من خلال الزميل واصف عواضة والتقيت بالاستاذ طلال سلمان في العام 2007 وجرى اتفاق اولي ولكنني لم استفد من تلك الفرصة وغادرت لبنان لاحقا الى قطر للعمل في جريدة العرب ، وان كنت عدت للكتابة في الجريدة بفضل دعم الزميل حسين ايوب حتى توقف الجريدة .
لقد كانت جريدة السفير بالنسبة لي وللملايين غيري من اللبنانيين والعرب وغير العرب احدى اهم التجارب الاعلامية والصحافية وكان لمؤسسها وناشرها الاستاذ طلال سلمان ولكل من عمل فيها الفضل في ان تتحول الى احدى اهم الصحف اللبنانية والعربية، وخرّجت الجريدة الاف الكتاب والاعلاميين والشعراء والادباء وفتحت صفحاتها للكتّاب والمفكرين من مختلف الاتجاهات الفكرية والادبية والسياسية.
وكان للاستاذ طلال سلمان الدور الريادي في اطلاق هذه التجربة الصحافية الرائدة في لبنان والعالم العربي ، وعمل لتطويرها والحفاظ عليها في الزمن الصعب لكنه قبل سنوات قليلة اضطر لوقف اصداراها لاسباب عديدة وان كانت مؤسسة السفير بقيت مستمرة من خلال مركز الارشيف والسفير العربي والموقع الالكتروني وكذلك عبر تحويل مبنى السفير الى مركز لعدد من الانشطة المختلفة بفضل جهود العائلة ولا سيما نجله احمد .
واليوم ونحن نودع الاستاذ طلال سلمان نشعر ان جزءا عزيزا وجميلا من عمرنا سيمضي، وعلى امل ان يتابع افراد العائلة مهمة الحفاظ على هذا الارث الجميل وتطويره ووضعه بين ايدي الجمهور .
رحم الله الاستاذ طلال سلمان وحفظ الله عائلته وكل التعازي للعائلة ولكل رفاق الاستاذ طلال في مسيرته الطويلة.