سيناريوهات عسكرية مُحتملة.. هكذا سيشنّ “حزب الله” حرب الغاز!
ما يُمكنُ قوله بكلّ بساطة هو أنّ لبنان دخل مرحلة العدّ العكسي في ملف ترسيم الحدود البحرية، وما تُظهره الوقائع هو أنّ “نيران الحرب” باتت تقتربُ أكثر فأكثر وسطَ عدم وجود أي بوادر لتسويةٍ واضحة في الملف المُتفجّر.
قبل يومين، كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله واضحاً في تأكيد المطلب الأساس الذي لا تنازل عنه، فأكد أنّ حق لبنان بالتنقيب عن الغاز يبقى في طليعة المطالب والحقوق، لكنّه أشار في الوقت نفسهِ إلى نقطة ستخلط الأوراق بقوة أكبر، وتتمثل بـ”إنهاء إسرائيل الاستكشاف والتنقيب عن الغاز في حقل كاريش، وأنّ المنصة العائمة هناك باتت بصدد استخراج الغاز خلال شهر أيلول المُقبل”.
الأمر الذي أشار إليه نصرالله يكشف عن المشكلة الكبرى التي كان يجري التحذير منها، وإن حصل الاستخراجُ فعلاً بعد شهرين، فإن ذلك يعني انعطافةً غير مسبوقة، ومن الممكن أن تتدحرج المنطقة نحو “المشكل” الذي تحدّث عنه نصرالله مؤخراً.
عملياً، فإنّ “حزب الله” حذر مما ستُقدم عليه إسرائيل مراراً، لكن ما يبدو الآن هو أنّ الأمور دخلت في مرحلة الخطر، وهو ما استوجب تهديداً علنياً من نصرالله. وبشكل أو بآخر، فإنّ المدة قبل أيلول باتت تضيق، ومن الممكن أن يخسر لبنان الرهان على استخراج النفط والغاز طالما لم يحصل على موافقة الأميركيين من أجل ذلك، في حين أنّ “حزب الله” لن يقف مكتوف الأيدي وسينفذ تهديداته، أي أن الأمور ستسيرُ نحو توتر غير معروف الحجم والأبعاد.
إلا أنه في المقابل، فقد روجت وسائل إعلام إسرائيلية لتسوية مفادها أن الشركة التي ستعمد للتنقيب عن الغاز في حقل كاريش لصالح العدو الاسرائيلي، ستبادر نفسها للتنقيب لصالح لبنان أيضاً.
وعملياً، فإن هذا الطرح ما زال غير واضح الآفاق، وقد لا يفتح الباب أمام السماح للبنان بالتنقيب في كافة الحقول النفطية وهو الأمر الذي يجب اقترانه بموافقة أميركية واضحة وعلنية.
ما هي سيناريوهات أيلول؟
كلام نصرالله عن تنفيذ تهديداتهِ الجديّة، أصبح الشغل الشاغل بالنسبة للقيادة العسكريّة في تل أبيب، وهذا الأمرُ تكشفه تحليلات عديدة على صعيد الخبراء هناك. وحتماً، فإن شهر أيلول سيُظهر ما ستؤول إليه الأمور، في حين أنه يمكن للشهر المُقبل أن يشكّل انعطافة غير مسبوقة على صعيد الملف المُحتدم، وبإمكانه أن يضع لبنان وإسرائيل أمام خيارين: الأول وهو معركة غير مضبوطة فيما الثاني يكون تسوية مع حصول لبنان على الحق بالتنقيب عن الغاز والنفط في حقوله بعيداً عن أي منعٍ أميركي، وهنا يكمُن الإنتصار.
ومع عدم وضوح صيغة التفاوض الجدية التي سيحملها الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود آموس هوكشتاين خلال زيارته إلى لبنان، فإنّ الأمور ستبقى الضغط بشدّة في حين أن إسرائيل تعيشُ اليوم تخبطاً عالي المستوى، وقد انعكس ذلك في زيادة التأهب العسكري قبل يومين حول المنصة البحرية العائمة في كاريش. إلا أنه وسط ذلك، فإن هناك وجهة نظرٍ سائدة في إسرائيل يشير إليها محللون وخبراء، وتقول بإن القيادة العسكرية لا تأخذ تهديدات نصرالله الأخيرة على محمل الجد، لكنها في الوقت نفسه تستعدّ لسيناريوهات عسكرية ومفاجآت تخشاها بقوّة.
وبمعنى آخر، فإن إسرائيل تعمل بترقب وحذر، لكنها ترى في الوقت نفسه أنّ تهديدات “حزب الله” لن تصنع فرقاً كبيراً باعتبار أنّ الردّ الإسرائيلي سيكون أكبر وأكثر تدميراً.
وبمعزلٍ عمّا ينظر إليه الإسرائيليون، فإن المنطقة قد تكون أمام سيناريوهين أساسيين في أيلول: الأول ويتّسم بعملية عسكريّة غير معروفة الحجم، وذلك في حال لم يصل لبنان إلى تسوية مع إسرائيل. أما السيناريو الثاني فيرتبط بمنح لبنان موافقة على التنقيب، وهو الأمر الذي قد يؤخر أي ضربةٍ عسكرية يجري التحضير لها.
في ما خصّ السيناريو الأول وهو الأهم، فإن نصرالله لم يكن واضحاً كثيراً بشأنه، لكن بعض العبارات التي استخدمها في خطابه تحملُ إشارات عديدة أبرزها أن “حزب الله” بإمكانه استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ الدقيقة، في حين أنّ لديه بعض القدرات البحرية التي سيعمد على استخدامها. كذلك، فإنّ تلميح نصرالله إلى قدرات المسيرات التي يملكها الحزب قد تعني أنه قد يجري استخدامها في العديدِ من العمليات الهجومية.
وبما أن “سيناريو الرد العسكري” ما زال غير واضح المعالم، إلا أن بعض المراقبين يعتقدون أنّ الحزبَ قد يلجأ إلى عمليات تبدأ بإطلاق صواريخ نحو أهدافٍ معينة من بينها منصات الغاز أو محطات طاقة. كذلك، فإنّ الحزب قد يستهدف العمق الإسرائيلي صواريخ موجّهة لإحداث إرباكٍ على الصعيد العسكري، وبالتالي جعل إسرائيل تقفُ أمام مشكلة تُهدّد أمنها واستقرارها وأيضاً خطتها الاقتصادية المرتبطة بالغاز.
مع هذا، فإن التقديرات تشير إلى أن “حزب الله” قد يُرسل طائرات مُسيرة مفخخة باتجاه أهداف إسرائيلية، كما أنه قد يركّز على منصة الغاز في كاريش، وما إشارته على أن السفينة هناك إسرائيلية وغير يونانية إلا دلالة على أنها باتت هدفاً مشروعاً وثابتاً ولا يُدخل لبنان بمشكلة مع اليونان أو الإتحاد الأوروبي.
عسكرياً، قد يكونُ نصرالله أرسى معادلة ترتبط بالعمليات المتتالية التي تصيب أهدافاً متعددة الأنواع، في حين أن الرسالة تكون واحدة. أما على صعيد الرد العسكري من قبل إسرائيل، فإنّه يرتبط بمستوى ردّة الفعل التي ستقدم عليها تل أبيب، وستكون بقياس الضربات التي سينفذها “حزب الله”. وهنا، فإنه من الممكن أن يبدأ التصعيدُ بشكل تدريجي من قبل “حزب الله” من خلال تسديد ضربات “غير موجعة” للعدو الإسرائيلي. وفي حالِ لم يطرأ أي تبدل على المشهد، قد يزيدُ الحزبُ من وتيرة ضرباته ويرفع من نوعيتها، الأمر الذي قد يلاقي تبدلاً وتغيراً على مستوى الرد العسكري الإسرائيلي، في حين أنه قد يلاقي تبدلاً أيضاً على صعيد التعاطي مع الملف باتجاهات إيجابية. ففي حال ثُبت التهديد، فإن الآفاق الإسرائيلية للتصعيد العسكري ستكون محدودة الأهداف، واللجوء نحو تثبيت التسوية سيكون هو الأنسب والأقرب استناداً للقواعد التي يريدها لبنان.
إذاً، سيكون أيلول شهراً مفصلياً ومن خلالهِ ستُرسم ملامح المرحلة المقبلة، وما يظهر هو أنّ “الكباش” هو الأكثر سيطرة حالياً. وبما أن الولايات المتحدة لا تريدُ حرباً، فإن الأمور قد تذهب نحو تسوية لكن غير مُكتلمة. فمن حيثُ الصورة، قد يحصلُ لبنان على ضمانات بالسماح له بالتنقيب إلا أن ذلك قد يقترن ببعض المماطلة مثلما حصل بملف استجرار الكهرباء من الأردن ومصر عبر سوريا.
ولهذا، الأمورُ تحتاجُ إلى ترقب ومتابعة، والمسارُ الذي ستسلكه مفاوضات الوسيط الأميركي سيكون له التأثير الأكبر على المعادلة القائمة، إما سلباً أو إيجابياً.
– لبنان 24