تشريع الذئاب (الجزء الخامس والاخير)….بقلم الكاتب حسيب قانصو
تشريع الذئاب.
الجزء الخامس والأخير:
إن كل الاتفاقيات والمعاهدات التي أقيمت بين الدول وتحديدا في “هافانا” أو” فيينا” ، تبقى حبرا على ورق في مطابخ السم العاملة في الدول الإستعمارية والقوية والغنية ، على حساب الدول الصغيرة والضعيفة وإن كانت تدر ذهبا ولبنا وعسلا ، فهي تسمع بما تدر ولا تراه.
الأكثر من ذلك ، إن الإتفاقيات وخاصة المبرمة في فيينا مثلا ، تقضي بحماية البعثات الدبلوماسية في الدول المضيفة ، كما تقضي في المقابل ، باحترام البعثات الدبلوماسية هذه، لتلك الدول المضيفة وقوانينها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، مثالا على ذلك:
تنص المادة ٤١ من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام ١٩٦١ على ما يلي :
أ- إحترام قوانين وأنظمة الدول المستقبلة.
ب- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المستقبلة وخير مثال على ذلك واحد فقط ، السفير الأميركي الأسبق في لبنان “ساترفيلد” عندما كان يتجول بسيارات مصفحة ومرافقين له بكامل معداتهم العسكرية وإعطائه التعليمات السياسية والتخريبية للحاكمين والاحزاب المنتفعة ، أضف إلى ذلك اعترافه بصرف أكثر من نصف مليار دولار لضرب ، حالة معينة بسمعتها وبنيتها وتفتيتها…!؟ هل هذا في نظر من صاغ الإتفاقيات وأبرم المعاهدات هو تدخل في الشؤون الداخلية ؟ مثل واحد فقط ولو حاولنا التطرق إلى دول أخرى ، إن مجلدات لاتكفي وهذا التشريع أو ممارسة التشريع يعتبر في نظر المشرعين ، هو تطبيق لنص معاهدة فيينا ١٩٦١…!؟
ج- عدم استخدام مقرات البعثة الدبلوماسي وما قدمناه ، كاف للتدليل على تطبيق تشريع الذئاب حسب ما تقتضي مصالح دولهم.
المادة ٢٢:
قد يقول أحدهم ، أن المادة ٢٢ من نفس الاتفاقية تنص على الحرمة المطلقة لمقر البعثة الدبلوماسية . هذا صحيح، شرط أن تلتزم المادة ٢٢ بشروط المادة ٤١ أعلاه.
المادة ٢٤:
تنص المادة ٢٤ من الإتفاقية المذكورة أن لوثائق ومحفوظات البعثة الدبلوماسية، حرمة. يجب على الدولة المضيفة التقيد بها حتى ولو قامت حرب بينها وبين الدولة المرسلة وإن قطعت العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما…!
السؤال: من يضمن أن البعثة الدبلوماسية المرسلة ، لم تعمل على خراب البصرة في الدولة المضيفة؟
المادة ٢٧: فيينا ١٩٦١
تنص المادة ٢٧ من اتفاقية فيينا ، على حظر فتح الحقيبة الدبلوماسية أو تفتيشها أو حجزها والمقصود بالحقيبة الدبلوماسية، كافة الطرود التي تحمل علامات خارجية ظاهرة تبين طبيعتها كحالة دبلوماسية. هنا ينتهي النص “حتى ولو كانت الطرود ملأى بالسلاح.”
في المقابل ، أن الاتفاقية نفسها وفي مكان آخر من النص ، لا تجيزالتعامل التجاري بين دولتين متحاربتين خوفا من إرسال إشارات أو معلومات ضمن الطرود المرسلة .
هنا ، كما نلاحظ ، أن صيفا وشتاء على سطح واحد . من حق الحقيبة الدبلوماسية ومن يحملها وما يحمل في داخلها ، أن تفرض منع المراقبة عنها حتى ولو كان في داخلها قرارات تقضي بهدم البلد وتطيير النظام . أما إذا كان التعامل تجاريا بين أفراد ومؤسسات ،أن المادة ٢٧ هذه لا تجيز ولا تسمح بالتعامل خوفا من التعامل…!؟
القضاء الدولي:
أما القضاء الدولي ، فقد تعرض لحرمة التعرض للمبعوث الدبلوماسي وحمايته تعقيبا على ما حصل في أزمة الرهائن الدبلوماسيين الاميركيين في طهران خلال أعوام ١٩٧٩-١٩٨١ حيث قررت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في ١٥-١٢-١٩٧٩ أن الإلتزام بحماية المبعوثين الدبلوماسيين، هو التزام يفرضه القانون الدولي العام.
هذا أمر جيد وقرار إنساني حق يراد منه باطل في مكان آخر. قامت الدنيا ولم تقعد ، عندما احتجز الإيرانيون مجموعة أميركية من الجواسيس الذين يصادرون أو صادروا كل الإمتيازات المالية والبنى الاقتصادية حتى زراعة التنباك الوطنية وتوظيف الحكم السابق حرسا وشرطيا لحماية أمن إسرا…ئيل.
نتساءل: لماذا حماية المبعوث الدبلوماسي ، تحتاج إلى اتفاقيات ومعاهدات لحمايته …وشعب كامل ودولة كاملة وأرض بكل جغرافيتها ، محتلة و مصادرة بكل مواقفها وقراراتها وحريات مواطنيها وانتاجها الإقتصادي، ألا تستحق هذه أو تحتاج إلى معاهدات…!؟
في مكان آخر ، إصدار قرار وعد بلفور ، البريطاني وما نتج عنه ، احتلال أرض ودولة بكاملها وبكل مفاصلها وطرد شعبها في عالم الشتات ، واليوم تباد البقية بسلاح صانعي الاتفاقيات والمعاهدات سعيا وراء الكسب المادي اللامحدود من النفط والغاز وفتح قناة بن غوريون تمهيدا لإقفال قناة السويس التي تدر على المصريين ما لا يقل عن تسعة مليار دولار.
السؤال: من سمح بالتنازل عن فلسطين ؟ أليسوا هم من يصيغ تشريعات الذئاب التي لا تعمل لغير مصالحهم؟
في مكان آخر ، وفي زمن الحضارات الغربية المدمرة، ألا تستدعي حماية الدول العربية ، قرارات ومعاهدات واتفاقيات ملزمة بالتنفيذ ، ام أن استباحتها كما حصل في شتاء الدم العربي وتحديدا في مصر والحرب الكونية على سوريا وعلى أيدي الاخوان والدواعش الأميركية والبريطانية والإسرائلية ، أمور، كلها ليست بحاجة إلى تشريع وبقاء القوات الأميركية تحتل جزءا من سوريا لأن هذا الجزء يعوم على بحر من النفط والغاز، ألا يستوجب أمر الإحتلال قرارا لإلزامهم بالإنسحاب؟ أي حضارة تدعون وأي علاقات تحترمون وأي ذئاب أنتم في دول العالم ، اقتصاد شعوبها تنهشون أو تنهبون؟
وأيضا في مكان آخر ، وقبل ربيعكم العربي، ماذا فعلتم بالعراق وأهله ؟ ماذا فعلتم في الكويت؟ أشرتم إلى صدام والتزم أوامركم. ماذا تفعلون اليوم في لبنان وغزة فلسطين والسودان؟ ماذا فعلتم وتفعلون في افريقيا؟ كيف تستعبدون أمة إفريقية بكاملها لنهب ثرواتها ، ذهب وإلماس وحديد ويورانيوم وكل ما أعطته الطبيعة وأعطاه الخالق لها؟ أي حضارة تدعونها وأي ذئاب أنتم تنهشون بتشريعاتكم لحوم البشر ؟ حصدتم اقتصاد العالم وما زلتم ، أقمتم الجمعية العامة للأمم المتحدة فقط لخدمتكم وإصدار قرارات تناسب مواقفكم ومصالحكم. ماذا عن مجلس الأمن الدولي ؟ أي علاقات دبلوماسية ومواقف سياسية تتعاطون بها عند انعقاد جلساته التي تديرونها كما تريدون وإن لم تتمكنوا، بمسرحية ، فرضتم التعطيل بمسرحية ” الفيتو” مصرين اليوم وبفيلم صهيو_ أميركي على إبادة شعب بكامله ، يقتل بسلاح مصانعكم وأنظمة حكوماتكم التي تديرها حكومة سرية ما زالت تعشعش في بريطانيا ومن هناك، تدار أميركا ومن هناك ، يحكم العالم …وما التصفيق داخل الكونغرس الأميركي لمصاص الدماء في فلسطين ، إلا تكليفا له من تلك الدولة العميقة والتي تخوض صراع وجود طويل منذ خيبر إلى يومنا هذا مع أمة قائدها محمد”ص” وجنودها رجال أشداء رحماء فيما بينهم…
العلاقات الدبلوماسية والسياسية:
هي ، كما راينا، حبر على ورق ، كذب وتمثيل دبلوماسي ، اتفاقيات ومعاهدات على حساب المستضعفين في الأرض وحتى تستقيم الحياة السياسية والدبلوماسية، لا بد من تغيير جذري في الأنظمة الحاكمة ، الإعتماد فيها على شعوب شرقية وغربية تخرج من الجامعات وهي تمتلك من الوطنية والحس الإنساني ما يجعلها قادرة أن تكون في موقع القيادة تتحرك بلا مرجعية مغلقة لتكون قادرة على اعتماد قوانين واتفاقيات تقوم على تشريعات دينية متسامحة قوامها الكتب السماوية الصحيحة وليس ما يكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله.
حسيب قانصوه.
الحائز على دبلوم في العلاقات الدبلوماسية والسياسية من الهيئة الدولية للتحكيم و جامعة القاهرة في مصر.