لا حكومة ولا رئيس.. والأنظار على البحار
منذ الاحتفال بعيد الجيش قبل ايام في الكلية الحربية، وسَيل التساؤلات في مختلف الاوساط السياسية لم ينقطع حول الاسباب التي دفعت رئيس الجمهورية ميشال عون، في كلمته خلال الاحتفال، الى الربط بين مصيرَي تأليف الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية الجديد وكأنه يوحي أنّ أياً منهما لن يحصل.
تحذير رئيس الجمهورية من أن يَلقى الاستحقاق الرئاسي المقبل مصير الاستحقاق الحكومي الحالي، يؤكد في نظر بعض الاوساط السياسية البارزة امرين لا ثالث لهما، وهما: لا تشكيل للحكومة الجديدة على الاقل في هذه المرحلة، ولا انتخاب رئيس جمهورية جديد في موعده الدستوري اي بين مطلع ايلول و31 تشرين الاول حيث تنتهي ولاية عون الذي نقل عنه الصحافي الفلسطيني عبد الباري عطوان قوله انه عند انتهاء ولايته سيغادر القصر الجمهوري لأنه أقسَم على احترام الدستور ولا يمكنه مخالفته، ولكن إذا طُرِح موضوع تمديد ولايته لاستحالة انتخاب رئيس جديد لتجنّب البلاد الفراغ الرئاسي في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها، فإنه يمكن ان يبحث في هذا التمديد اذا كان هناك من يرتضيه.
يقول سياسيون ان ربط عون مصير الاستحقاق الرئاسي بالاستحقاق الحكومي يكشف انّ ما تَجمّع لديه من معطيات عن مستقبل الوضعين الاقليمي والدولي يؤكد انّ التسويات الاقليمية الموعودة من الملف النووي الايراني الى حرب اليمن الى الازمة السورية والوضع العراقي وغيره من الاوضاع العربية ما تزال بعيدة المنال، وانّ انعكاساتها وتداعياتها السلبية على لبنان ستبقى مستمرة بما يعطّل الآن تأليف حكومة جديدة ويعطّل لاحقاً انتخاب رئيس جمهورية جديد.
ويؤكد قطب نيابي في هذا السياق انه اذا لم تؤلّف حكومة قبل بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد مطلع ايلول المقبل، فإنها لن تؤلف حكماً خلالها لأنّ الجميع سينصرفون الى خوض الحملات الانتخابية الرئاسية، فكل فريق سيندفع في اتجاه إيصال مرشحه على إيقاع الدعوات المتلاحقة التي سيُطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسات نيابية لانتخاب الرئيس العتيد، بحيث ستكون هذه الدعوات بمثابة حَضّ لمختلف الافرقاء السياسيين للاتفاق على الرئيس العتيد.
في هذا الاطار يقول بعض المُتتبّعين للتطورات الجارية انّ إمكانية التفاهم القريب على رئيس جديد ليست متاحة، تماماً كما كان الوضع قبل انتخاب الرئيس ميشال عون الذي جاء بعد نحو سنتين ونصف سنة من فراغٍ رئاسي أعقبَ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، والذي كان قد انتُخب على قاعدة «الضرورات تُبيح المحظورات» اذ كان يمارس مهماته كقائد الجيش فيما الدستور يقضي بأنّ انتخاب ايّ من موظفي الدولة من الفئة الاولى او الادنى منها لرئاسة الجمهورية يفرض ان يستقيل الموظف قبل سنتين من موعد الانتخاب، لكنّ انتخاب سليمان تمّ بعد إسقاط المهل الدستورية ولضرورة انهاء فراغ رئاسي طال ومن شأن استمراره أن يعرّض اوضاع البلاد للاخطار، وقد حصل لاحقاً انتخاب عون لإنهاء فراغ رئاسي طويل ساد بعد انتهاء ولاية سليمان، على رغم من انّ ترشيح عون كان مرفوضاً لدى تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، الذين عادوا وانتخبوه آخذين ضرورة إنهاء الفراغ في الاعتبار، وقيل يومها انّ «تسوية رئاسية» حصلت بين عون وحلفائه وبين زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري وحلفائه هي التي أوصلت عون الى رئاسة الجمهورية.
والبعض يقول انّ تبرير «إنهاء الفراغ» والحفاظ على مصلحة الدولة قد يعتمد مجدداً في الاستحقاق الرئاسي هذه المرة ايضاً في حال حصل فراغ رئاسي طويل وتعذّر التوافق على انتخاب شخصية سياسية وتمّ اللجوء الى خيار انتخاب احد الموظفين الكبار في الدولة من العسكريين او المدنيين، خصوصاً انّ نَعي عون للحكومة العتيدة قبل ان تولد وتخوّفه من ان يَلقى الاستحقاق الرئاسي المصير نفسه يدفعان كثيراً من الاوساط السياسية والشعبية الى الاستنتاج ان لا توافق داخليا وخارجيا سيحصل قريباً على إنجاز هذين الاستحقاقين، وانّ دخول البلاد في فراغ حكومي ورئاسي طويل ليس مستبعداً.
لكن في اعتقاد البعض انّ «بصيص الضوء» الآتي من البحر، والذي يبعث على الامل في حصول ترسيم حدود لبنان البحرية بما يكرّس حقوقه الكاملة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، سيكون عاملاً يُعجّل في انتخاب رئيس جمهورية جديد واستكمال عقد المؤسسات الدستورية من حكومة وغيرها لمواكبة امل اللبنانيين في خروج بلدهم من حال الانهيار عبر الاستثمار على ثروته النفطية والغازيّة لإطفاء ديونه الداخلية والخارجية والخروج الى آفاق التعافي.
ويضيف هؤلاء انّ إنجاز الاصلاحات التي يحتاجها لبنان ويصرّ المجتمع الدولي والمؤسسات المالية والنقدية الدولية على إقرارها شرطاً لتقديم القروض والدعم المالي للبنان، من شأنه اذا حصل قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، ان يؤمّن المناخات الداخلية والخارجية الملائمة والداعمة لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد.
إلا انّ ما بدأ يَترسّم في الافق من اصطفافات سياسية ومحاولات لنسج تحالفات انتخابية رئاسية، وعلى رغم تبريرها بأنها تندرج ضمن اللعبة الديموقراطية تحضيراً لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، من شأنها ان تعقّد المشهد وتعطّل هذا الاستحقاق الدستوري خصوصاً انّ احداً من الافرقاء السياسيين لا يملك الاكثرية النيابية المرجّحة في اي جلسة انتخابية يُدعى إليها لانتخاب الرئيس الجديد، وهذا الامر وارد الحصول اذا لم تحصل التوافقات الخارجية الاقليمية والدولية التقليدية التي تنضَح منها «كلمة السر» التي تَعوّد اللبنانيون منذ عشرات السنين أن يتلقّفوها عشيّة كل استحقاق رئاسي.
المصدر : الجمهورية