القضية الفلسطينية… خلاف سياسي تاريخي، أم صراع على الهوية ؟ قراءة بين نكبة ال 48 وطوفان ال 2023
علا خليفة /ليطاني نيوز
الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وتسمى أيضًا بحرب النكبة واختصارا حرب 1948 هي أولى الحروب العربية الإسرائيلية، حدثت عقب إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام إسرائيل. نشبت الحرب على أرض فلسطين بين كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المصرية ومملكة العراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية ضد المليشيات الصهيونية المسلحة في فلسطين والتي تشكّلت من البلماخ والإرجون والهاجاناه والشتيرن والمتطوعين اليهود من خارج حدود الانتداب البريطاني على فلسطين. أودت الحرب بحياة آلاف الجنود من الطرفين، وانتهت بهزيمة العرب، فأطلقوا عليها حرب النكبة.
إن للحرب التي يشنها الكيان الغاصب على قطاع غزة في العام 2023 آثار اقتصادية كبيرة، ليس فقط على الأطراف المعنية ولكن أيضًا على الاقتصاد العالمي. تسببت الحرب في أضرار مدمرة للبنية التحتية والاقتصاد في غزة. وأسفرت الحرب عن اضطرابات ودمار على نطاق لم يسبق له مثيل في قطاع غزة. حيثُ أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن أكثر من 41,000 منزل قد تم تدميره بشكل كامل وتضرر أكثر من 222,000 منزل بشكل شبه كلي. كما أثرت الحرب بشدة على المستشفيات والمدارس وأنظمة المياه والصرف الصحي والأمن الغذائي.
وتسببت الحرب في تدمير كامل للقطاع الثقافي في غزة، والذي يشكل المنفس الثقافي لشباب وشابات القطاع في ظل الحصار المستمر منذ عام 2007.
وقد تعرّض المشهد الخدمي في القطاع إلى اعتداءات كثيرة، منها استشهاد عدد كبير من العاملين في هذا المجال وتدمير عدد من منشآت وآليّات البلديّات والتي تقدّم خدماتها للمواطنين الفلسطينيين. وشملت هذه الاعتداءات أيضًا تدمير الطرق ومعظم البُنى الأساسيّة الخدميّة كخزّانات المياه ومحطّات الصرف الصحي والآبار بحجّة وجود أنفاق تابعة للمقاومة الفلسطينيّة
بعد التراجع الملحوظ للقضية الفلسطينية على الصعيد الإقليمي والدولي، تأتي عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر التي قادتها حركة المقاومة حماس، لتحيي القضية الفلسطينية من جديد لدى أذهان نخب وحكام وشعوب الأمة العربية والإسلامية. حيث أن العملية أثبتت أن نظرية الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر الذي صورت لها العديد من أبواق الإعلام الغربية والعربية، لم تكن إلا “بروباغاندا إعلامية واهية”، ليظهر للعالم بذلك ضعف القدرات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية.
لا سيما وأن العملية جاءت في وقت يشهد فيه الكيان الصهيوني نوعا من الإرتباك في المشهد السياسي الداخلي، بعد سلسلة من تهم الفساد التي تلاحق رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو”، الذي يأبى إلى إضعاف صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية التي لها صلاحيات أوسع في متابعة مخترقي القوانين الداخلية الإسرائيلية أيا كانت رتبتهم.
تأتي عملية طوفان الأقصى في ظل العديد من المعطيات التي تؤكد زوال الكيان الصهيوني خلال السنين القليلة القادمة، وذلك بشهادة أوساط داخل الكيان الصهيوني (عقدة العقد الثامن)، حيث أن المشهد الإسرائيلي يبرهن ذلك، بيد أن جماعات دينية (الحريديم وغيرها) تؤكد أن دولة إسرائيل زائلة لا محال لأنها أسست فوق المشيئة والإرادة الإلهية. بالإضافة أن هذه الجماعات الدينية لا تنخرط في المجتمع الإسرائيلي (اجتماعيا، ثقافيا، سياسيا، عسكريا)، الأمر الذي يزيد من تأجيج الأوضاع الداخلية في إسرائيل بين اليمين المتطرف الذي يرفض الحوار مع الجانب الفلسطيني واليسار المتعطش للعودة للمشهد السياسي بغية فتح باب الحوار من جديد مع الجانب الفلسطيني (اليسار الإسرائيلي يقبل فكرة حل الدولتين، عكس اليمين المتطرف الذي يوسع المستوطنات…)
إن القضية الفلسطينية بعد هذه الأحداث (7 أكتوبر) أظهرت معطيات جديدة في الميدان أهمها:
الموقف الإيراني من عملية طوفان الأقصى
على الرغم من الدعم الملحوظ الذي تقدمه الحكومة الإيرانية لحركة حماس علنا، إلا أن (الحكومة الإيرانية) ترى في عملية طوفان الأقصى نوعا من التسرع، وذلك في ظل الضغط الغربي عليها من أجل العودة للمفاوضات بخصوص الملف النووي، وذلك بعد التطور الملحوظ الذي عرفه الملف عقب انسحاب أمريكا منه سنة 2015، بالإضافة إلى علاقات إيران ودعمها لمحور المقاومة ضد التواجد الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، سواء في اليمن أو سوريا، لبنان، العراق… فحركة حماس بهذه العملية إذن تعطي للولايات المتحدة الأمريكية وأروبا وإسرائيل صورة واضحة أن هناك تواطئ وتنسيق بين حركة المقاومة الفلسطينية وإيران. الأمر الذي يزيد من حدة العداء الغربي للمصالح الإيرانية في المنطقة سواء أكانت اقتصادية، ديبلوماسية أو جيوسياسية…
يسلّط موجز السياسات الضوء على بعض الآثار المباشرة لحرب غزة على حياة الفلسطينيين. ويقدّم تقديرات للخسائر في الناتج المحلي الإجمالي، ويُبرِزُ آثار التدابير والعمليات العسكرية الإسرائيلية على النظام الصحي في غزة، الذي يعاني أصلاً من الآثار الطويلة الأجل للحصار المفروض منذ 16 عاماً ولعمليات التصعيد العسكري السابقة. وتشير التقديرات الأولية المستندة إلى محاكاة نموذج الإسكوا للتوازن العام القابل للحوسبة، إلى أنّ الصدمة التي تعرّض لها النشاط الاقتصادي الفلسطيني كانت شديدة. ويأتي ذلك نتيجةً للحصار الكامل على غزة، وتدمير رؤوس الأموال، والنزوح القسري، والقيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع في الضفة الغربية، وتعليق أو خصم التحويلات الضريبية من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية. ومن المتوقع أن يسجّل معدل الفقر ارتفاعاً حاداً ليتراوح بين 20 و45 في المائة، حسب مدة الحرب. وتشير التقديرات إلى أنّه بحلول بداية الأسبوع الثالث من الحرب، أصبح جميع سكان غزة تقريباً يعيشون في فقر متعدد الأبعاد (96 في المائة)، وذلك استناداً إلى الدليل الوطني للفقر المتعدد الأبعاد. ويخلص الموجز إلى أنّ التعافي الاقتصادي في غزة لن يتحقّق فوراً بعد وقف إطلاق النار، نظراً إلى حجم الدمار، وضعف القدرة على الوصول إلى الموارد، بما في ذلك المواد والمعدّات، بفعل الحصار على غزة. وإن لم تُعالَج الأسباب الجذرية للصراع الذي طال أمده، فستبقى أي جهود لتحقيق التعافي الاقتصادي في غزة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة غير كافية وقصيرة الأجل.
وبالإضافة الى ما ورد في تقرير الأمم المتحدة لكونها الحرب الأوسع والأشمل، فإن تداعيات هذه المواجهة ستشكل واقعا جديدا على صعيد القضية الفلسطينية وقطاع غزة، كما ستؤثر في الواقع الإسرائيلي والمشهد السياسي الداخلي الفلسطيني، وتفرض المواجهة في غزة نفسها على البيئة الإقليمية والدولية على نطاق واسع.
فهل القضية خلاف سياسي تاريخي، أم أنه صراع على الهوية ؟