تعرف على قلعة أبو الحسن الواقعة بين بلدات الزرارية وطيرفلسيه وصير الغربية فوق نهر الليطاني (صور)
(قلعة وادي الحصن)
تحقيق رضا بدرالدين / خاص الليطاني نيوز
المسماة بقلعة أبو الحسن ، كما ورد في حركات النضال في جبل عامل للدكتور جهاد بنوت ، وهي منتصبة فوق نهر الليطاني وتقع بين البلدات التالية : الزريرية – طيرفلسيه – وصيرالغربية . وتبعد عن برج يالوش قرابة ٢كلم جنوبا .
وأبو الحسن هذا هو شيخ الجبل سنان بن سليمان والمعروف بمقدم (الإسماعيلية) ، وهو خليفة الشيخ حسن بن الصباح الحميري اليمني القحطاني ومؤسس هذه الفرقة النزارية .
وشيخ الجبل سنان بن سليمان قد اتخذ من هذه القلعة معقلا حصينا لينطلق منها هو وجماعته (الفدائيين) لإغتيلات بعض الشخصيات الصليبية .
ونرجح أن يكون صاحب المقام والواقع في بلدة صيرالغربية والمسمى (سليمان نون) هو لشيخ الجبل سنان بن سليمان . وفي خراج بلدة الزريرية المجاورة توجد خربة تسمى بخربة سنان .
وفي تاج العروس للزبيدي : قلعة أبي الحسن في ساحل الشام قريب صيدا والمعروفة بقلعة (الموت) عمرها أبو الحسن بن نزار بن الحاكم بأمرالله العبيدي صاحب الدعوة الاسماعيلية سنة ٥٧٧ هجرية وله بها عقب منتشر .
وفي الذاكرة الشعبية ورد بأنه قد سكن هذه القلعة رجل يسمى بالشيخ الفقيه ، وكان له علم ومعرفة ببعض الأعشاب والحشائش لصناعة بعض الأدوية لبعض الأمراض الخبيثة ويوزعها على الناس مجانا ومات ولم يخبر بها أحدا ، وهو الذي كان متهما من قبل أعدائه بعمل (( بطروني)) في جنة الفردوس التي أنشأها بالقرب من هذه القلعة .
وورد في المصادر الغربية والعربية بأنه قد تم إغتيال أحد القادة الصليبيين في مدينة صور من قبل فرقة الفدائيين (الحشاشين) بتوجيه وتخطيط من شيخ الجبل سنان بن سليمان .
(خربة سنان)
تقع على قمة هضبة في وسط سهل بين بلدتي أنصار والزريرية ، وتعرف أيضا بعش الغراب ، وعند تجريف هذه الأرض وجد عدد من المغاور والنواويس .
وسنان هذا هو شيخ الجبل أبو الحسن بن سليمان بن راشد الدين البصري مقدم فرقة (الحشاشين) الإسماعيلية النزارية ، وخليفة الحسن بن الصباح على قلاع الشام ، وإليه تنسب قلعة أبو الحسن والواقعة فوق نهر الليطاني (كما ورد في حركات النضال في جبل عامل للدكتور جهاد بنوت) وبين البلدات التالية ، الزريرية – طيرفلسيه – وصيرالغربية ، والتي هدمها الظاهر بيبرس قائد جيوش المماليك كما ورد .
وورد في المصادر الغربية والعربية بأنه قد تم إغتيال أحد قادة الصليبيين في مدينة صور على يد أحد أفراد هذه الفرقة الفدائية بتوجيه وتخطيط من شيخ الجبل سنان بن سليمان ، وكانوا يتنكرون بزي النساء ، ولربما (آل منكر) بيت الجواد – بيت منصور – وبيت ناصرالدين الموجودين في هذه المنطقة هم من رجالات ذلك الشيخ .
وفي الذاكرة الشعبية : ورد بأنه قد سكن هذه القلعة رجل يعرف بالشيخ الفقيه ، وكان له علم ومعرفة بالأعشاب لصناعة الأدوية لبعض الأمراض الخبيثة ويوزعها على الناس مجانا ، ومات ولم يخبر بها أحد ، وهو الذي كان متهما من قبل أعدائه بعمل ((بطروني)) في جنة الفردوس التي أنشأها بالقرب من هذه القلعة .
وأرجح أن يكون صاحب المقام والموجود في قرية صيرالغربية والمسمى (سليمان نون) هو لشيخ الجبل سنان بن سليمان .
وفي كتاب الأعلام للزركلي :
(سنان بن سليمان) * (528 – 588 ه = 1134 – 1192 م) سنان بن سليمان بن محمد بن راشد البصري، أبو الحسن، راشد الدين:
مقدم الإسماعيلية، وصاحب دعوتهم، في قلاع الشام. أصله من البصرة. وكان في حصن (الموت) في حدود الديلم.
قرأ كتب الفلسفة والجدل، وانتقل إلى الشام، في أيام السلطان نور الدين محمود، فجد في إقامة الدعوة إلى مذهبه، وجرت له حروب مع السلطان، واستولى على عدة قلاع بالشام أقام فيها 30 سنة. وجرت له مع السلطان صلاح الدين وقائع وقصص، ولم يذعن بالطاعة قط. وعزم صلاح الدين على قصده بعد صلح الفرنج، ثم صالحه.
واستمر في استقلاله إلى أن مات. وإليه تنسب الطائفة السنانية. وأخباره كثيرة (2).
وتشير الروات التاريخية ، بأن ٣ قرون من الاغتيالات أنهاها هولاكو والظاهر بيبرس .
حتى بعد وفاة الحسن الصباح في قلعة ألموت عام ١١٢٤ م ، تابعت مجموعة الحشاشين أعمالها على قدم وساق ، وبقي الحشاشون مصدر رعب لكثيرين طوال ٣ قرون .
ولم يقتصر نشاطهم على قلعة ألموت بل اتخذوا العديد من القلاع الحصينة الأخرى في قمم جبال إيران والشام لنشر دعوتهم الإسماعيلية النزارية ، مما أكسبهم عداء الخلافتين العباسية والفاطمية والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين إضافة إلى الصلبيين .
ولم تنته حركة الحشاشين في فارس حتى عام ١٢٥٦ م ، حيث قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية ، أما نهاية الجماعة في بلاد الشام فكانت عام ١٢٧٣ م هلى يد الظاهر بيبرس .
شيخ الجبل
(الشيخ حسن بن الصبّاح شيخ الجبل وخليفته الشيخ سنان بن سلمان أبو الحسن والمعروف بمقدم الإسماعيلية) .
هو الشيخ حسن بن الصبّاح الحِمْيَريّ اليمني القحطاني ، شيخ جبل عامل ، والذي اتخذ من قلعة (أبو الحسن) والمسماة بقلعة (الموت) ، وتسمى أيضا في الذاكرة الشعبية بعش (الغراب) معقلا حصينا وربما سميت كذلك لأنه كان ينطلق منها هو جماعته (الفدائيين) للإغتيالات . وهذه القلعة تقع بين بلدتي صيرالغربية وطيرفلسيه ، في حصن حصين فوق نهر الليطاني ، كما ورد ذكر هذه القلعة في حركات النضال للدكتور (جهاد بنوت) . وهي تبعد عن (برج يالوش) قرابة الكلم جنوبا .
وبعد وفاة الحسن بن الصباح سنة ١١٢٤ م ، خلفه الشيخ سنان بن سلمان مقدم الإسماعيلية .
ويحتمل أن يكون صاحب المقام والواقع في بلدة صيرالغربية والمسمى (سلمان نون) هو لمقدم الإسماعيلية الشيخ سنان بن سلمان . كما يوجد في خراج بلدة (الزريرية) خربة تسمى بخربة (سنان).
وفي الجهة المقابلة لهذه القلعة في بلدة طيرفلسيه ، توجد قرية مندثرة تسمى (القزحية) فيها بعض المدافن الاسلامية ، وبقربها عين ماء تسمى (عين الصبّاح) وعلى مقربة من قرية (الحميري) .
وتشير الروايات التاريخية ،بأن ٣ قرون من الاغتيالات أنهاها هولاكو والظاهر بيبرس حتى بعد وفاة حسن الصبّاح في قلعة ألموت عام 1124، تابعت مجموعة الحشاشين أعمالها على قدم وساق، وبقي الحشاشون مصدر رعب لكثيرين طوال ٣ قرون.
ولم يقتصر نشاطهم على قلعة ألموت، بل اتخذوا العديد من القلاع الحصينة الأخرى في قمم جبال إيران والشام لنشر دعوتهم الإسماعيلية النزارية، مما أكسبهم عداء الخلافتين العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين، إضافة إلى الصليبيين.
ولم تنتهِ حركة الحشاشين في فارس حتى عام 1256، حيث قضى المغول بقيادة هولاكو على هذه الطائفة بعد مذبحة كبيرة وإحراق للقلاع والمكاتب الإسماعيلية، أما نهاية الجماعة في بلاد الشام فكانت عام 1273 على يد الظاهر بيبرس .
حقائق تعري الرواية:
قبل الغوص في قصة الرواية وحبكتها، لا بد أن نوضح مواطن التشويه التي نالت من سمعة حسن الصباح وجماعته. هم القائلون بإمامة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق (ع) بعد أبيه، وبذلك اختلفوا عن الشيعة الأمامية الاثني عشرية (الجعفرية) الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بعد الإمام جعفر الصادق(ع)، وقد كانت الدولة الفاطمية على المذهب الإسماعيلي. وبعد وفاة الخليفة الفاطمي المستنصر (427-487هـ) حصل انشقاق كبير في صفوف الإسماعيليين، ذلك أنه تولى الخلافة بعد المستنصر ولده أبو القاسم أحمد، ولكن أحمد هذا لم يكن الابن الأكبر للخليفة ولا كان هو المؤهل لولاية العهد بنظر بعض الاسماعيليين، بل كان المؤهل لها بنظرهم، أخوه الولد الآخر نزار، ويرون أن الخليفة المستنصر عهد إلى نزار بولاية العهد فعلاً وأخذ البيعة له خلال مرضه، إلا أن وزير الخليفة، الأفضل بن بدر الجمالي أخذ يماطل بذلك ليحول دون نزار وولاية العهد لأمور كانت بينه وبين نزار، ولقرب أبي القاسم أحمد من الوزير الأفضل، كما يرون أن المستنصر توفي ووزيره الأفضل مسيطر على الحكم فتمت بذلك ولاية العهد وانتقال الخلافة لأبي القاسم أحمد الذي لقب بالمستعلي بالله..
وهكذا فقد انقسم الاسماعيليون في العام 487هـ إلى فرقتين: واحدة تقول بإمامة أبي القاسم أحمد المستعلي بالله وسميت بالتالي بالمستعلية والثانية تقول بإمامة نزار وسميت بالتالي بالنزارية. وناقش السيد حسن الأمين مقالاً نشرته إحدى المجلات، نقل فيه كاتبه أقوالاً لابن تيمية تحدث عن الاسماعيليين وعن نصير الدين الطوسي وعلاقته بهم، وكان الحديث باطلاً في باطل، كعادة ابن تيمية حين يتحدث عمن لا يتفقون معه في الآراء، وكان نص ابن تيمية: “إن التتار لم يكونوا ليغيروا على بغداد، ولم يكونوا ليقتلوا الخليفة العباسي وبقية القواد المسلمين إلا بمساعدة الملاحدة الاسماعيلية، وأهم رجالاتهم الذين حملوا وزر هذه الأحداث، هو وزيرهم نصير الدين الطوسي في (ألموت) إنه هو الذي أصدر الأمر بقتل الخليفة في بلاط الحكومة العباسية”. وقد علق السيد حسن الأمين على هذا الكلام مخاطباً ابن تيمية صاحب هذا القول:”إن تعصبك الأعمى قد أوقعك لا في الجهل فقط، بل في الغباء أيضاً، حين زعمت أن الإسماعيلية مساعدو المغول في الإغارة على بغداد وفعلوا ما فعلوا.. في حين أن من له أقل إلمام بتاريخ تلك الأحداث، يعلم أن الإسماعيلية كانوا الضحايا الأولى للمغول، فقد قتل المغول رجالهم وهدموا قلاعهم وقضوا على دولتهم…”.
وكان قد أطلق مجموعة من الكتاب والباحثين على النزاريين اسم (الحشاشون) نسبة إلى الحشيش المخدر المعروف، زاعمين أن ما كانوا يقدمون عليه من اغتيالات مقرونة بضروب من البسالة الفائقة وتضحية بالنفس عزيزة المثال، إنما كان نتيجة لتخديرهم بالحشيش، بحيث يفقدون إرادتهم وينفذون ما يؤمرون بتنفيذه بلا وعي. وهذا من أعجب الافتراءات، إذ إن من المسلم به أن استعمال الحشيش يقتل في النفس أسمى ما فيها من شجاعة وكرامة وغيره، ثم إن مستعمله يبوح بأسراره ويكشف عن مكنوناته، وهذا عكس ما يقتضي أن يكون عليه الفدائي المكلف بمهمات لا ينبغي لها شيء بعد الشجاعة مثل الكتمان وحفظ الأسرار. وأصل هذه الفرية هو ما ذكره الرحالة ماركو بولو عندما زعم أنه “جنة شيخ الجبل” والتي شاء له خياله أن ينطلق في وصفها انطلاقاً مغرضاً في التخيل والخرافة. ثم تفنن الزاعمون في مزاعمهم فكان مما قالوه: إن الحسن بن الصباح كان يعتمد تعويد أتباعه الحشيش وإدمانه فلا يستطيعون الحياة بدونه، وانهم كانوا ينفذون كل ما يطلب منهم لقاء حصولهم على الحشيش، فإذا نفذوا الأوامر أعطوا الحشيش وأدخلوا الجنة.
ورأى الدكتور جمال الدين الشيال في كتابه (مجموعة الوثائق الفاطمية) أنه لما اشتد الصراع بين المتنازعين المنشقين عن الفاطميين، وبين الفاطميين، كان من وسائل هذا الصراع ما نسميه في اصطلاحنا الراهن الوسائل الإعلامية بإمكانيات ذلك العصر، فكان النزاريون يوزعون بيانات تبين فساد خلافة أحمد المستعلي ومن تلاه ويمكن أن يتلوه من الخلفاء فيرد الفاطميون على البيان ببيان وعلى الأدلة بأدلة.
ويرى الدكتور الشيال أن الفاطميين هم الذين بدأوا بنعت الإسماعيلية النزارية بهذا الوصف في عهد الخليفة الآمر أي بعد نشوب النزاع بين المستعلي ونزار بنحو عشرين سنة، ويفسر الدكتور الشيال إطلاق هذا الوصف على النزاريين بأنه كان للتشهير بهم، بمعنى أنهم في قولهم بإمامة نزار إنما كانوا يخرّفون كما يخرّف الحشاشة، أي إن الفاطميين لم يتهموا باستعمال الحشيش، بل وصفوهم بأوصاف مستعمليه. لما يطرأ على عقولهم من التخريف…أما الكاتب الغربي”بول آمير” في كتابه (سيد ألموت) فيقول عن ذلك: “بأن الصفة التي أطلقت على النزاريين (الحشاشون) هي في الأصل صفة: (الحشائشيون) وهي الصفة التي كانت تطلق في تلك العهود على من يتعاطون جمع الحشائش البرية التي تستعمل هي نفسها أدوية، أو تستقطر منها الادوية، وقد كان يختص بذلك أفراد، فيهم من هم من الاطباء أو الصيادلة، كان يطلق على الواحد منهم لقب: (الحشائشي) حتى لقد أصبح ذلك مهنة من المهن المشتهرة، وكان لها أسواق خاصة بها وتجار يتعاطون بيع الحشائش الطبية وشرائها. ويقول بول آمير: “عمل النزاريون في ذلك بشكل واسع، فقد كان لهم في جبالهم قرى وشرائها ومزارع كان ينطلق فيها حتى النساء والأطفال في جمع الحشائش الطبية التي كانوا يتوسعون في زراعتها ولا يقتصرون على ما تنبته الطبيعة، حتى لقد كانوا يزرعونها في حدائق البيوت.
كان جامعو الحشائش في الحقول والبراري يبيعون ما يجمعونه إلى أشخاص معينين متصلين بسيد ألموت حيث يصدرونها إلى مختلف المدن، وكان في كل مدينة سوق خاص يسمى سوق الحشائش، وكانت الحشائش تجمع في ألموت في جوالق يكتب عليها اسم المرسلة إليه واسم المدينة مع كلمة (سوق الحشائشيين)، أما ما يستقطر منها فيوضع في قوارير خاصة محفوظة من عوامل الكسر وترسل مع أحمال الحشائش، وبذلك كانت ألموت معروفة بأنها إحدى المراكز الكبرى للأدوية الحشائشية واستيرادها ثم تصديرها، ومن هنا لصق بالنزاريين لقب الحشائشيين، ثم استغله خصومهم فطوروه إلى “الحشاشين”.
أحداث الرواية: حبكة متقنة بأحداث مغرضة
من الجيد لو حاولنا التعرف إلى الرواية، عبر العنوان الذي أراد لها الروائي أن تحمله، وهو عبارة عن قلعة تقع في وسط جبال البرز جنوب بحر قزوين، والجبال المذكورة تبعد عن العاصمة الإيرانية طهران قرابة المائة كلم، وقد جاء هذا العنوان تحديدا ليعبر عن الرواية لقدر ما يكتنزه من أحداث ووقائع، وحيث أن شيخ الجبل وهو أحد أكثر الشخوص تحريكا وبعثا للأحداث، إن لم أقل أنه الأوحد، كان يسكن هذه القلعة الحسن بن الصباح، أو ممن عرف بشيخ الجبل، وهذا الأخير لقب أسبغ على هذا الرجل ومن جاء على أثره من خلفاءه، كان قد استولى على هذه القلعة، فصارت تحت سطوته وسيادته، وقد كان اسماعيليا يعتقد بإمامة نزار بن المستنصر الفاطمي، اتخذ من هذه القلعة محلا لبث دعوته وأفكاره، وقد كان يناهض السلاجقة الأتراك آنذاك، وكانوا يعتبرون ألد أعداءه، وقد اتخذ أسلوب تطويع الأفراد لأفكار وأمور هو خطها وابتعثها، حتى كون منها عقائد ومبتناة على فلسفته الخاصة القائمة على الذوق والاستحسان بدلا من الدليل العلمي، وفق ما جاء في الرواية.
والرواية تبتدئ لتروي شأن فتاة، لا تعلم إلى أن يكون مصيرها، فينتهي بها القدر في أحظان هذه القلعة، وترافقها كثير من الأحداث والأمور التي تبعث على التساؤل والفضول لديها، إلا أن فتيات مثلها كن يسكن هذه القلعة، سألنها لزوم الصمت، باعتبار أن كثيرا مما يرتبط بتساؤلاتها كانت أمورا يحرم التحدث بها كالسؤال عن مالك هذه القلعة، وعن أغراض تواجدهن هنالك، وعن كثير من الأمور التي كان يعتبر الإفصاح عنها من ضرب المحرمات، وفضلا عن حرمة السؤال كان سكنة هذه القلعة “الحريم” يخضعن لبرنامج يومي صارم، بدءا من الدروس النظرية وانتهاء بالدروس العملية. وعلى الجانب الآخر من القلعة، كان يسكن الرجال أو الجند والعساكر، والذين لا يعلمون شيئا عن جانبهم الآخر، حيث يسكن الحريم والذين هم بدورهم لا يعلمن بسكنى الجند في الجوار.
وهؤلاء لم يكونوا بدعا من النظام الصارم، فقد كان هناك ثمة برنامج آخر يشملهم ويخصص لأجلهم، وهي عبارة عن الدروس النظرية والعملية. ولعل أكثر هذه الدروس أهمية كانت إتقان الفكرة والعقيدة الإسماعيلية والتعرف إلى قوادها وأئمتها، وموقع شيخ الجبل ( الحسن بن الصباح) منها. وأكثر الدروس العملية أهمية كانت الدروس الحربية والعسكرية في الشأن القتالي ومحاربة الأعداء. وقانون القلعة الذي سنه الحسن بن الصباح كان يحظر عليهم الحديث حول الملذات المباح منها والمحرم، مثل مقاربة النساء أو معاقرة الخمر أو غيرها من الملذات والمشتهيات. وحيث يمضي القارئ في هذه الرواية، تتكشف له كثيرا من غموض هذه الرواية، فيعرف هذا الرجل ( الحسن بن الصباح ) والذي أخضع سكنة هذه القلعة تحت إمرته ورياسته. وفضلا عن ذلك فقد اعتبر من نفسه ملهما ونبيا لأفكار هو أوجدها من ذاته، حتى ألفى نفسه بين أناس خضعوا لهذه الأفكار وصاروا دعاة لها. فقد اعتبر من نفسه ظل لله سبحانه وتعالى وانه بيده أمور قد فوضت إليه على غرار الأنبياء والرسل. وقد سعى لأن يبرهن على ذلك بأن أدعى أن الله سبحانه وتعالى قد منحه مفاتيح الفردوس، وكانت هذه حيلة لأن يوجد من صفوف الجند والعسكر أفراد أشداء ذوي بطش يأتمرون بأمره، ويقومون على تحقيق أوامره وإشاراته اللازمة لبسط نفوذه وتوسعة الفكر الإسماعيلي الذي كان يترأسه، وقد أفلح في ذلك فبدء ينتخب من بين صفوف الجند أفرادا سموا فدائيين.
وقد سعى الدعاة وأمراء الجند إلى تعريفهم إليه، وقد أقنعهم بحقيقة مدعاه فيشربهم حبة تسلب الوعي منهم، قيل أنها عبارة عن حشيشه حتى أنهم سموا لذلك بالحشاشين، وحين يغيب الوعي عنهم يتم إدخالهم في حديقة أوجدها واستخدم لأجلها الفتيات اللاتي جرى الحديث عنهن، بعد أن يتم إقناعهن بأن يؤدين دور الحوريات، وأن أي محاولة أو إخفاق في أداء هذا الدور سيكون على حساب حياتهن. ولعل أبرز أوامر الصباح تصفية كبار رجالات السلاجقة عبر اغتيالهم وتصفيتهم جسديا، رغبة في أن يدخلوا هذه الحدائق والجنان مرة أخرى، حيث أنهم بعيدون تمام البعد عن هذه الملذات الجسدية والمعنوية، فتصبح بالنسبة لهم كالعطشان الذي يلهث لشرب الماء في أقرب فرصة لذلك.
تبدأ أولى المحاولات لتنفيذ أحد هذه الاغتيالات، على يد فتى يدعى “ابن الطاهر”، وهو الذي قدم إلى القلعة مؤخرا رغبة منه في الإنضمام إلى هذه الدعوة. وينال بذلك حظوة لدى أمير الجند لبأسه وحسن أداءه في القتال، فيبعثه بن الصباح بعد أن يسبغ عليه رتبة الفدائي، لغرض اغتيال الوزير نظام الملك وزير السلاجقة، وحيث يفلح في مسعاه، إلا أن ثمة حوار يدور بينه وبين الوزير الذي كان يحتضر،يكون سببا لنزع الغشاوة عن عينيه فيتبصر حقيقة هذا الرجل، الذي يمارس الخداع عليهم بدعوى حيازة مفاتيح الجنان، فيولي بن الطاهر وجهه شطر قلعة آلموت حيث يخلى سبيله لقاء أن يغتال الحسن بن الصباح كونه يمارس الخداع والدجل باسم الدين والعقيدة. ولكن الأمور لا تسير كذلك، فحين يعود بن الطاهر إلى القلعة، يرتاب بن الصباح لأمره، ويكشف حقيقة نواياه ولكن يمارس عليه دور الفيلسوف الذي يتقن فلسفة هذه الحياة، وأن كل ما يعمله ابن الصباح لا يعد دجلا إذا ما أخذ بعين الاعتبار شرف القضية الإسماعيلية وعلو مكانتها وشرفها يستدعي صرف النظر عن طرق الدعوة إليها. فيقتنع ابن الطاهر بذلك ويكون هذا موردا لاعتزاز ابن الصباح به فيمنحه المال ويطلق سراحه فيبدأ السياحة في البلدان.
وهكذا تستمر سياق هذه الرواية، لتوضح طرفا من أطراف نشأة هذا الفكر الإسماعيلي على يد هذا الرجل (الحسن بن الصباح). بقي أن نشير إلى أنه مهما على شأن التشويهات في الحقائق التاريخية المتعلقة بهذا المذهب إلا أن ما بين ثنايا صفحات الرواية وردت أحداث عدة تشير إلى قرب المذهب الإسماعيلي من المذهب الشيعي (الأثني عشري) حين تنبري عاطفة الحب تجاه أهل البيت (ع) بين شبان القلعة الذين كانوا يتبارون في كتابة الشعر في حب الإمام علي والزهراء (عليهما السلام)، إذ كان ابن الطاهر البارع الأول الذي بلغ مجدا رفيعا في هذا المضمار مما أدى إلى تقربه من شيخ الجبل حسن الصباح وتعزيز مكانته لديه. وهذا يشير ضمناً إلى أن هؤلاء الإسماعيلون مسلمون مؤمنون موحدون، وأن كل تلك الافتراءات بحقهم التي تسحب منهم الانتماء للإسلام وأنهم لا يصلون ولا يصومون ليست سوى أقاويل واهية لإسدار ستار حول الوهج التاريخي لهذه الطائفة .
الشيخ حسن بن راشد الدين سنان بن سلمان مقدم الإسماعيلية
من تاريخ الأدب السياسي للأستاذ محمد عبد الله عنان في القرن السادس الهجري (القرن الثاني عشر الميلادي) كانت الأمم الإسلامية تجتاز مرحلة عصيبة من تاريخها، ففي هذه الحقبة استقر الفرنج الصليبيون في فلسطين وثغور الشام، وقامت مملكة نصرانية لاتينية في بيت المقدس في قلب ديار الإسلام، وانقسمت الكتلة الإسلامية في المشرق إلى دويلات صغيرة متنازعة؛ ونشب بين الإسلام والنصرانية في تلك المهاد صراع مستمر طويل الأمد؛ وكانت المعارك سجالا بين هذه القوى الخصيمة المتفرقة؛ ولكن الفرنج الصليبين احتفظوا لأنفسهم مدى حين بنوع من التفوق؛ ذلك لأن الخلافة الفاطمية كانت تجتاز مرحلة انحلالها، وكانت الإمارات الإسلامية في شمال الشام مشغولة بمعاركها المحلية؛ وكان الفرنج ينتهزون الفرص السانحة فيعملون على إذكاء الخلاف ويظاهرون أميراً على أمير، ويحققون لأنفسهم ما استطاعوا من الأسلاب والمغانم. ففي تلك الفترة العصيبة المضطربة كانت الشام فوق كونها مسرحا للحروب الأهلية والمعارك الصليبية المتواصلة مسرحا لنشاط بعض الجماعات السرية التي الفت فرصتها في تلك الفوضى السياسية والاجتماعية الشاملة، وكانت في مقدمة هذه الجماعات طائفة فرسان المعبد أو الداوية، وطائفة الاسبتارية، وطائفة الإسماعيلية الباطنية؛ وكانت الأولى والثانية طائفتين نصرانيتين ظهرتا بعد قيام المملكة الصليبية، وأنشئتا في البداية لبواعث وظروف دينية، ثم انقلبت كلتاهما بعد ذلك إلى جمعية سرية فدائية وكانت الثالثة تحسب ضمن الطوائف الإسلامية المذهبة، وقد أنشئت في أواخر القرن الخامس على يد داعية إسماعيلي بارع هو الحسن بن الصباح الحميري، ونظمت أولا في شمال فارس، حيث استحالت غير بعيد إلى عصابة قوية تعتصم ببعض القلاع المنيعة، وتعتمد في تنفيذ مآربها على الاغتيال المنظم؛ وفي أوائل القرن السادس لما اشتدت مطاردة الأمراء السلاجفة للإسماعيلية في فارس، فر بعض دعاتهم إلى الشام، ولبثوا حيث يبثون هناك دعوتهم سراً؛ وكان الأمراء المحليون مثل صاحب حلب وصاحب دمشق يلجئون أحيانا إلى هؤلاء الدعاة الخطرين في تنفيذ مشاريعهم واغتيال خصومهم، وبذلك أضحوا قوة سياسية يحسب حسابها، ولما كثر جمعهم وقوى أمرهم طلب زعيمهم بالشام بهرام الاستراباذي من صاحب دمشق حصنا يأوي إليه مع أنصاره، فأقطعه قلعة بانياس (سنة 520هـ)، فتحصنوا بها، ولم يأت منتصف القرن السادس حتى كانت لهم في الشام سلسلة من القلاع المنيعة بين طرابلس وحماة، يتخذونها قواعد للإغارة والدفاع، وحتى غدوا عاملا قويا في حوادث هذا العصر وتطوراته. كان الدواية والاسبتارية يعملون في البداية لخدمة القضية الصليبية ونصرة الأمراء الصليبين، وكانت نظمهم ووسائلهم تشبه من بعض الوجوه نظم الإسماعيلية ووسائلهم من حيث اعتمادهم على التآمر والدس والاغتيال المنظم، ثم استحالوا غير بعيد إلى جماعات سرية نفعية ترتكب جرائمها، وتبحث عن مغانمها حيثما استطاعت دون النظر إلى اعتبار الدين أو القومية؟ أما الإسماعيلية ظهروا على مسرح الحوادث طائفة مغامرة وكان تحسب أعظم وأقوى الأمراء من الفريقين؛ وقد ذهب ضحيتها جماعة من أكابر الأمراء والقادة، وكان لها أثر كبير في تطور الحوادث والمعارك في بسائط الشام. كان الإسماعيلية يمثلون في الشام نفس الدور الذي كان يمثله زملاؤهم في فارس، وكان أولئك الدعاة الأذكياء ، وكانوا يمتنعون بقلاعهم الشاهقة يتحينون فرص العمل الخفي؛ وكان الفدائية منهم – وهم الذين يناط إليهم تنفيذ الجرائم السياسية – رجالا من أخطر طراز يمتازون بالإقدام المدهش، لا يتهيبون الموت، ولا يردهم عن غايتهم شيء؛ ولم يتخذ زعماء الإسماعيلية قط لقب السلطنة أو الإمارة، ولكنهم كانوا يقنعون بلقب المقدام أو الشيخ أو شيخ الجبل؛ وكان هذا اللقب الأخير يطلق بنوع خاص على زعيم الإسماعيلية في الشام، وإن كان الرحالة مركوبولو الذي عرف الإسماعيلية ودعاتهم في فارس يحدثنا بأن كبيرهم ينعت أيضا بشيخ الجبل؛ وعلى أي حال فإن كلمة الشيخ تعني هنا السيد أو الرئيس خلافا لما ذهب إليه الرواة الفرنج المعاصرون من اعتبارهم الشيخ هنا بمعنى (الرجل العجوز)، وهو خطأ شائع في معظم التواريخ الفرنجية. وكان مقدم الإسماعيلية أو شيخ الجبل في الشام في أواسط القرن السادس زعيماً وافر الجرأة والذكاء هو راشد الدين سنان ابن سلمان؛ ولا تعرف الرواية سناناً إلا بأنه مقدم الاسماعيلية، ولا تحدثنا عن أصله ونشأته، ولكن لاريب في أنه أحد أولئك الدعاة المغامرين الذين يكتنف الغموض حياتهم الأولى، ثم يظهرون فجأة على مسرح الحوادث.
وكان مقره في حصن من حصون من الشام وهو يومئذ أمنع حصون الإسماعيلية بالشام؛ وكان هذا الداعية الإسماعيلي يخفي مشاريعه ومطامعه الدنيوية تحت ستار من الورع المؤثر، ويبدو دائما في صفة الإمام الديني، ويرتدي الثياب الخشنة، ويعظ أنصاره طول اليوم من فوق رابية، ويحيط كل حياته بحجاب من الغموض حتى قيل إنه لم يوقظ نائماً أو آكلاً أو شارباً؛ على أنه كان بالرغم من هذه المظاهر الورعة الخلابة مغامراً لا ذمام له، يتربص فرص الوثوب والفتنة، ويتقلب في خدمة الصديق والعدو معاً؛ ولم ير سنان بأسا من مخالفة الفرنج الصليبين، فنراه يتصل بأموري ملك بيت المقدس، ويرسل إليه الداعي بهاء الدولة سفيراً ليسعى لديه إلى إعفاء الإسماعيلية من الجزية التي تعهدوا بدفعها؛ ونجح السفير في مهمته، ولكن قتلة الداوية (فرسان المعبد) حين عودته؛ وخشي ملك الفرنج عواقب هذه الجريمة، فاعتقل القتلة وقضى عليهم بالسجن، وذلك استبقاء لمودة الإسماعيلية واتقاء بطشهم. ولعب سنان في حوادث هذه الفترة دوراً عظيما؛ وكان أمراء الشام المسلمون يرهبون جانبه ويلتمسون محالفته؛ ولما تألق نجم صلاح الدين وقبض على زمام الأمور في مصر اتجهت أبصار خصومه إلى الإسماعيلية أو الحشيشية كما تسميهم الروايات المعاصرة، لما عرف من انهم كانوا يأكلون أوراق الحشيش؛ ففي سنة 569هـ (1173م) دبر أنصار الدولة الفاطمية الذاهبة مؤامرة لقلب حكومة القاهرة، واغتيال صلاح الدين، وفكروا في الاستعانة بالفرنج كما فكروا في الاستعانة بسنان شيخ الجبل، فبعثوا إليه ليدبر كميناً لاغتيال السلطان (صلاح الدين) على يد بعض الفدائية سواء في الشام أو في مصر ووعدوه بالمنح والعطايا الجزيلة؛ ولكن سرعان ما افتضحت المؤامرة وقبض على مدبريها وأعدموا، ولم تسنح الفرصة في هذه المرة ليعمل شيخ الجبل؛ ولكن الفرصة سنحت غير بعيد؛ ففي أوائل سنة 571هـ (1175م) كان صلاح الدين على رأس جيشه في شمال الشام على مقربة من حلب، وكان من برنامجه سحق الإمارات المستقلة التي تمزق الشام وتجعل منه فريسة هينة للفرنج الصليبين؛ وكان أتابك الموصل عز الدين مسعود يخشى على ملكه إذا استولى صلاح الدين على الشام، فاتفق مع سنان شيخ الجبل على اغتيال صلاح الدين أثناء وجوده بالشام؛ وكان الإسماعيلية أو الحشيشية يرون في تقدم صلاح الدين خطراً داهماً على سلطانهم فكانوا يرحبون بكل مؤامرة أو مشروع لسحقه؛ ففي الحال بعث سنان بعض الدعاة الفدائية إلى معسكر السلطان (صلاح الدين) فاندسوا إليه متنكرين.
وفي ذات مساء استطاع أحدهم أن يصل إليه وهو في خيمة بعض الأمراء يفحص خطط الدفاع، ثم انقض عليه وطعنه في رأسه بخنجره، وكان صلاح الدين يعرف غدر الباطنية ويحترز منهم بارتداء الدروع المصفحة، فحالت قلنسوته الصلبية دون إصابته؛ فحول القاتل عندئذ خنجره إلى خده فجرحه جرحا شديدا، ثم دفعه إلى الأرض وحاول أن يجهز عليه؛ وذهلت بطانة السلطان لهذه المفاجأة الغادرة مدى لحظة، ولكنهم بادروا إلى القاتل، وطعنه أحد الأمراء بسيفه فأرداه؛ فبرز من جوانب الخيمة آخرون من الباطنية الفدائية متنكرين في زي الجند، وحاول أحدهم أن ينقض على السلطان، فتلقاه بعض البطانة وقتلوه، واشتد الاضطراب والهرج، وقتل في هذه الواقعة عدة من الدعاة الإسماعيلية؛ ونجا صلاح الدين من خناجرهم بأعجوبة، وانهار مشروع شيخ الجبل وحلفائه مرة أخرى. وأدرك صلاح الدين ما يحيق به وبسلطانه من الخطر من غدر الإسماعيلية ومؤامراتهم، فعول على مهاجمة قلاعهم وسحق نفوذهم، فسار إليهم في العام التالي (سنة 572هـ)، وحاصر مصياب أمنع قلاعهم، وفيها مركز زعامتهم؛ فاستغاث سنان شيخ الجبل بصاحب حماة وهو خال السلطان، ورجاه أن يشفع لديه فيهم، وتعهد له بالتزام الحيدة والولاء نحو السلطان، وهدده في نفس الوقت إذا أبى هذه الشفاعة، فخشي الأمير من وعيدهم، وبذل وساطته لدى السلطان حتى أقنعه بالعفو عنهم، فغادر قلاعهم بعد أن أخذ عليهم المواثيق والعهود؛ ولزم الإسماعيلية وزعيمهم بعد ذلك خطة الولاء نحو السلطان إما خشية سطوته، وإما لأنهم خشوا رجحان كفة الصليبين إذا اختفى صلاح الدين من الميدان. ولبث الإسماعيلية من بعد شيخهم سنان زهاء قرن آخر، يمتنعون بقلاعهم في الشام، وينتهزون فرص المعارك والأحداث المختلفة ليظهروا على مسرح الحوادث حيثما آنسوا الغنم، وشغل بلاط القاهرة عنهم طوال هذه الحقبة بمكافحة الفرنج ورد الخطر الصليبي؛ فلما كان عهد الظاهر بيبرس، سارت حملة مصرية إلى الساحل في سنة 668هـ (1269م)، وحاصرت قلاع الإسماعيلية، واقتحمت مصياف أمنع حصونهم ومقر زعامتهم وخربت قلاعهم ومزقت قواهم كل ممزق؛ وبذلك انهار نفوذهم في الشام كما انهار في فارس قبل ذلك بقليل واستحالت هذه الطائفة الخطرة بعد ذلك إلى شراذم لا أهمية لها سواء من الوجهة السياسية أو المذهبية، وانتهى بذلك تاريخها الحافل المدهش.